فيلم "ضربة في الرأس" ومغرب الثمانينات
30 ابريل 2017
ما زالت حقبة الثمانينات بالمغرب تغري العديد من المخرجين المغاربة، خصوصًا تلك السنوات السوداء التي عاشها المغاربة بتفاصيلها المرة، والتي يصطلح عليها محليًا بالسنوات "الرصاص".
ويبقى لكل مخرج سينمائي تناوله ورؤيته الخاصة لسرد الأحداث الأليمة بلغة السينما وسحرها المميز. وهشام العسري واحد من هؤلاء المخرجين الذي اختار حقبة الثمانينات في المغرب، لسردها بطريقة كوميدية لا تخلو من سريالية، وانتقى "ضربة في الرأس" كعنوان لفيلمه الشيق. إذ يعتبر هذا الفيلم، نموذجًا لسينما الطلائعية، عوض السينما التجارية التي بدأت تغزو السينما المغربية.
هشام العسري اختار حقبة الثمانينيات في المغرب، لسردها بطريقة كوميدية لا تخلو من سريالية من خلال فيلمه "ضربة في الرأس"
وتدور أحداث فيلم "ضربة في الرأس" في حقبة الثمانينات بكل أحداثها، سواء المليئة بالأحداث الحزينة، والتي وصمت في أذهان المغاربة الذين عايشوا تلك المرحلة، والمتمثلة في المظاهرات الشعبية التي عرفها المغرب، وتسمى بمظاهرات "الخبز" عام 1981، أو أحداث أخرى أسعدت المغاربة أيضًا، لاسيما عندما فاز المنتخب المغربي على المنتخب البرتغالي في دورة "كأس العالم 1986" في المكسيك، وتأهله إلى الدور الثاني من المنافسات.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "21 غرام".. الألم الذي نتوه هربًا منه
أما عن الشخصية الرئيسية التي اختارها هشام العسري في فيلم "ضربة في الرأس" فهي شخصية ضابط مشلول الوجه بعد أن أصيب في الرأس أثناء مظاهرات الخبز عام 1981، حين أرسل لتأمين جسر سيمرّ عليه موكب رسمي، وأثناء ذلك يلتقي بامرأة تعيش بالقرب من هذا الجسر وتلعب دورها الفنانة المتألقة لطيفة أحرار.
استخدم هشام العسري كل الأدوات المتاحة لسرد مغرب المرحلة، والذي كان متمثلًا في الشرطة، أو المخزن، وهو اسم يطلق على السلطة ورجال السلطة بالمغرب.
المخرج كان جريئا أيضًا باستخدام تسجيل للعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني وهو يشتم المتظاهرين، ويهدد الأساتذة الذين يحرضون التلاميذ على الخروج في المظاهرات. حماسة هشام العسري لم تقتصر على استخدام الخطاب الملكي فقط، بل أصر على استعمال عصا بعض رجال السلطة، كنوع من توثيق أحداث معينة، أو تصوير أحد رجال السلطة يدخن الحشيش.
اقرأ/ي أيضًا: أطلس السينما: نيويورك سكورسيزي (2)
المتابع لأفلام هشام العسري، قد لا يتفاجأ بموضوع الفيلم، فهو بالتأكيد يذكرنا بفيلم آخر للمخرج ذاته، والذي يحمل عنوان "جوع كلبك" الذي صدر عام 2015، وهو أيضًا يوثق مرحلة سنوات "الرصاص"، حيث سادت العبثية والانتهازية وتراجعت القيم الإنسانية في المجتمع. إذ قدم هشام العسري شخصية رجل دولة يخرج من صمته الطويل ليقدم وجهات نظره فيما يعيشه المغرب اليوم من أحداث وقضايا مختلفة، في مقارنة لصورة رجل الدولة ما بين سنوات السبعينات والثمانينات والهيبة التي كان يعيش في إطارها، ورجل الدولة اليوم الذي لم يعد يحظى بالهيبة والوقار المطلوب. وقد شارك في فيلم "جوع كلبك" عدة نجوم من السينما المغربية، أهمهم الممثل بنعيسى الجيراري ولطيفة أحرار أيضاً، بالإضافة إلى جليلة التلمسي وآخرون.
لكن من خلال فيلمه الجديد "ضربة في الرأس"، حاول هشام العسري أن نرى المغرب بعيون شرطي مشلول، يكتشف النظام من خلال ردود أفعال الناس، وذلك من خلال مدة عرض الفيلم التي لا تتجاوز 111 دقيقة.
تدور أحداث فيلم "ضربة في الرأس" حول المظاهرات الشعبية بالمغرب وفوز المنتخب المغربي على البرتغالي بكأس العالم 1986
مخرج الفيلم اختار أيضًا لهجة مغربية سهلة الفهم، ومن بطولة كل من عزيز الحطاب، الذي كان متمكنًا من الشخصية التي يلعبها، أيضًا الممثل المتألق عادل أبا تراب، والممثلة القديرة لطيفة أحرار.
وجدير بالذكر، أنه وقع اختيار فيلم "ضربة في الرأس" من طرف لجنة مهرجان "برلين السينمائي الدولي"، في دورته 67 للمشاركة ضمن فئة "بانوراما" والفيلم عرض أيضًا بمدينة طنجة خلال الدورة الثامنة عشرة للمهرجان الوطني للفيلم، التي عقدت من الثالث إلى الحادي عشر من مارس/آذار 2017، وهو المهرجان الذي يخصص للأفلام المنتجة في الاثني عشر شهرًا الماضية. وقد حاز الفيلم في مهرجان طنجة على جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة أحسن دور، وحاز عليها عزيز الحطاب.
اقرأ/ي أيضًا:
"محمود حميدة" فارس التمثيل الذي لم يجد حصانه
فيلم "عرق البلح".. نساءٌ عاريات تحت رعب الشّمس