1. عشوائيات
  2. مجتمع

في "سوريا الحرة".. هل تتخلص الصحفيات من مخاوفهنّ؟

22 يناير 2025
صورة تعبيرية (اليونسكو)
لميس حسينلميس حسين

 

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا".

إذا أُتيح لك في يوم ما زيارة كلية القانون في جامعة هارفارد.. فستجد هذه الآية من سورة النساء، محفورة على الحائط المخصص لأهم العبارات التي قيلت عن العدالة في تاريخ البشرية.

تلك هي العدالة ذاتها التي تسعى إليها نساء سوريا اليوم، سوريا الحرة بلا مظالم، سوريا بنساء غير منقوصات أو مبتورات أو مقيدات، بنساء لا يدفعن ثمن الكلمة حتى قبل قولها.

 

مخاوف من إغلاق وسائل إعلام

تعيش العديد من الصحفيات في سوريا مخاوفًا من إغلاق وسائل الإعلام التي يعملن بها، وهو خوف مشروع بعد توقف العديد من المؤسسات عن العمل على اختلاف المبررات، فمنها من ينتظر تصاريح العمل، ومنها من يصعب عليه تأمين التمويل اللازم للاستمرار، ومنها من فضل البقاء في ركن قَصِّي كمتابع للتطورات.

اعتادت الصحفيات في سوريا على قلة الفرص المتاحة لهن، واقتصارها معظم الوقت على التعاقد المؤقت والعمل المستقل

وعلى اختلاف الأسباب فالنتيجة واحدة، صحفيات يعشن القلق اليومي من أي يكون كل يوم هو اليوم الأخير للمؤسسة التي ينتمون إليها، ما يعني توقفهن عن العمل الصحفي لفترة قد تطول أو تقصر.

المذيعة "هدى" العاملة في إحدى الإذاعات المحلية، أكدت ازدياد مخاوفها مع توقف العمل في الإذاعة لأكثر من أسبوعين، مؤكدة أنه وعلى الرغم من عودة الوسيلة للعمل لكنها لم تشعر حتى الآن بالأمان الوظيفي الذي يضمن استمرارها.

 

الإقصاء المؤقت لمن لا ذنب له

"إقصاء بدون وجه حق"، بهذه الكلمات عبرت صحفية في وزارة الإعلام عن استيائها من صدور قرار إقصاء مؤقت بحق عدد من العاملين في الوزارة، وتابعت بالقول: " تم إخبارنا بأن نذهب لجمع أغراضنا بعد منحنا إجازة مأجورة لمدة شهر بدون معرفة الأسباب".

حالة الصحفية "ميسون" هي واحدة من عشرات حالات الإقصاء المؤقت التي تشهدها الوزارات في سوريا، الأمر الذي زاد من مخاوف الصحفيات اللواتي يواجهن بطبيعة الحال تمييزًا سلبيًا، حيث تعتبر سياسة التهميش معتادة في مجتمعات ذكورية بحتة، لتجد الصحفيات أنفسهن معرضات لتحديات كبيرة ضمن عملهن الصحفي، ناهيك عن التحدي الأكبر المتمثل بكونهن صحفيات فقط، في مجتمع يضع غالبًا العديد من العوائق لعمل النساء في الإعلام.

 

مساءلة الإعلاميين

بيّنت الصحفية المستقلة نسرين علاء الدين لـ "الترا صوت" وجود خوف كبير لدى الصحفيات من آلية التعامل معهن، قائلة: " أنا كنت شاهدة على الطلب من بعض الصحفيات البقاء في منازلهن حاليًا، وبالنسبة لي فإن عدم وجود قوانين واضحة تقود العملية الإعلامية بسوريا وتنظمها يزيد من حالة القلق لدي، وخاصة مع انتشار موضوع مساءلة ومحاسبة الإعلاميين بعد فترة قصيرة من سقوط النظام السابق، وأنا لا أقصد هنا فقط العاملين في مناطق الحكومة المركزية سابقًا، بل الصحفيين من جميع المناطق، وفقها.

 

صحفيات الشمال السوري

يعتبر العمل الصحفي في مناطق الشمال السوري معقدًا وحساسًا للغاية، ويمثل بالنسبة للنساء تحديًا لا يقل أهمية عن تحديات استمرار العيش، أو التحديات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

"جمانة"، صحفية من الشمال السوري، لـ"الترا صوت": "الأمل ازداد الآن بالحصول على حرية أكبر ضمن العمل الصحفي، إذ كانت التغطيات الميدانية تقتصر على الصحفيين من الرجال فقط، وعدم قبول مجتمعنا لعمل النساء في الإعلام"

والآن بعد سقوط النظام السابق، زادت فرص خروجهن من الحدود المحلية، بعد سنوات من خوف التواجد في مناطق جنوب سوريا أو غربها، حيث تؤكد الصحفية "جمانة" لـ"الترا صوت" أن "الأمل ازداد الآن بالحصول على حرية أكبر ضمن العمل الصحفي، إذ كانت التغطيات الميدانية تقتصر على الصحفيين من الرجال فقط، فيما يتم تخصيص المرأة بشؤون المجتمع والطفل، إضافة للتضييق من قبل السلطات أو المجتمع في مناطقنا، وعدم قبوله لعمل النساء في الإعلام، ما اضطر العديدات منا للعمل في الخفاء أو الانتقال لأعمال أكثر أمانًا"، وفقها.

فيما اعتبرت الإعلامية "سوسن" أن "مخاوف العمل الصحفي لا تقتصر على مناطق الشمال، بل هي ملازمة للمرأة في كل مكان لعدم تقبل حرية عملهن بدون قيود حتى الآن".

 

طوق النجاة عبر الأسماء المستعارة

سنوات خوف من الاعتقال والملاحقة وكذلك الضغوط الاجتماعية بالنسبة للصحفيات، دفعتهن لارتداء طوق النجاة من خلال الأسماء المستعارة، حيث تقول الصحفية "وفاء" إنها شعرت على مر سنوات بالظلم لعدم قدرتها على حجز اسم لها في عالم الصحافة، بسبب استخدامها اسمًا مستعارًا يضمن حمايتها، وكذلك قدرتها على العمل مع وسائل إعلام خارجية تضمن لها لقمة العيش، وتتابع بالقول لـ"الترا صوت": " أستمر حتى الآن حتى بعد سقوط النظام بالكتابة باسم مستعار، فلا يوجد أي جهة تضمن لنا حقوقنا كصحفيات"، مؤكدة أن حالها من حال الكثير من زميلاتها الصحفيات اللواتي يتأملن صدور قرارات من الحكومة السورية الحالية تضمن لهن العمل الصحفي في العلن.

 

العنف الرقمي

يطول الابتزاز الإلكتروني غالبية العاملات في الصحافة، نظرًا لإمكانية إخفاء الفاعل لهويته عبر طرق إلكترونية ملتوية، ما يجعل الصحفيات أقل قدرة على مواجهة مثل هذه التهديدات، فهن غالبًا لا تجدن أية مساندة سواء من المقربين أو من الوسيلة الإعلامية التي تعملن بها.

ندى، صحفية سورية، لـ"الترا صوت": "يجب أن يكون هناك إجراءات صارمة في الدستور الجديد تضمن حمايتنا كصحفيين وصحفيات من العنف الرقمي بكل أشكاله"

واليوم مع "انتشار تصفية الحسابات وبعض الحالات الفردية في هذا السياق"، تقول الإعلامية ندى لـ"الترا صوت": "أخاف دائمًا من الابتزاز الإلكتروني لي ولعائلتي عند نشري لأي مادة صحفية، فأنا أنشر على مسؤوليتي"، وتتابع: "يجب أن يكون هناك إجراءات صارمة في الدستور الجديد تضمن حمايتنا كصحفيين وصحفيات من العنف الرقمي بكل أشكاله".

 

التعاقد الحر

اعتادت الصحفيات في سوريا على قلة الفرص المتاحة لهن، واقتصارها معظم الوقت على التعاقد المؤقت والعمل المستقل، أي يتقاضين أجرًا شهريًا مقابل تقديم عدد من المواد أو أجرًا على المادة الواحدة، الأمر الذي يخضع في غالبية الأحيان لهوى المؤسسة ومعاييرها في اختيار الصحفيين والمواد المنتقاة.

"يختاروننا بحساسية في معظم عقود العمل"، تقول الصحفية "كفاح" العاملة وفق عقد سنوي ضمن صحيفة محلية، وتشير إلى أن اختيار الصحفيات للعمل الدائم يخضع لمعايير انتقائية بسبب ارتباطها بالأسرة وذهابها في إجازات أمومة، واليوم تزداد هذه المخاوف من عدم قبولنا في عقود طويلة، بسبب اقتصار العمل الصحفي على عدد من المؤسسات، ولكنها تطلق العنان لأملها بأن تصبح سوريا وجهة لوسائل الإعلام العربية والعالمية، بعد سقوط النظام السابق ما يعني ازدياد فرص العمل الصحفي.

 

التنظيم النقابي أساس في حماية الصحفيات

في سياق متصل، قال عضو المجلس المركزي لاتحاد الصحفيين السوريين مصطفى المقداد لـ "الترا صوت" إن مخاوف الصحفيات تعتبر مشروعة من الناحية الشكلية، "في ظل ضبابية الموقف القادم للعهد الجديد الذي يبدو أنه لا يعتمد بشكل كبير على تشغيل النساء"، موضحًا وجود مبررات للممارسات التي تزيد من مخاوفهن، مثل إعطاء إجازة ثلاثة أشهر لعدد من الصحفيات، والتي تعتبر محاولة من الإدارة الجديدة لبناء إعلام وفق أسس مختلفة، تحتاج لدراسات متناهية الدقة بسبب الاختلاف الكبير بين عقلية الإعلام الحكومي السابقة والحالية، وفقًا لتعبيره.

عضو المجلس المركزي لاتحاد الصحفيين السوريين مصطفى المقداد لـ"الترا صوت": وجود تنظيم نقابي صحفي سيكون الداعم الأكبر لعمل الصحفيين والصحفيات كافة، وخاصة وسط حالة التنافس الإيجابي بين الإعلاميين مستقبلًا

وبيّن المقداد أن هذه الدراسات تحتاج لحوارات مع صحفيين متمرسين وعلى دراية بأهمية عمل الصحفيات سابقًا ومشاركتهن الفعالة، وأضاف أن الأمر يتعلق بـ"الإبقاء على أعداد معقولة من الموظفين، في ظل التضخم الكبير الذي عانت منه وسائل الإعلام في السابق"، مشيرًا إلى أن قدرة الصحفيات أنفسهن على إثبات حضورهن في كافة المجالات الإعلامية تعتبر العامل الأقوى والأقدر لضمان استمرار عملهن في وسائل الإعلام.

وذكر المقداد أن وجود تنظيم نقابي صحفي سيكون الداعم الأكبر لعمل الصحفيين والصحفيات كافة، وخاصة وسط حالة التنافس الإيجابي بين الإعلاميين مستقبلًا، فالإعلام لن يقتصر على الحكومي فقط، بل سيكون للإعلام الخاص أيضًا التأثير الكبير في التحرك الإعلامي خلال السنوات القادمة.

سنوات عجاف في سوريا، جعلت من " الضلع القاصر" ضلعًا لا يلين، سنوات كانت فيها المرأة السورية وخاصة الصحفية ركيزة أساسية لما بقي من البلاد وصمد. واليوم، ومع ازدياد مخاوف استمرار التهميش الاجتماعي والسياسي، وعدم التمثيل العادل في أماكن صنع القرار، يقترب المؤتمر الوطني حيث ستتضح معه مواقف الحكومة، ومدى جديتها في مساندة المرأة وتمكينها في عملية بناء سوريا الجديدة. فهل سيتحول الخطاب لفعل، وهل سيُقطَعُ رأس الخوف الذي يظهر شبحًا أمام كل امرأة ترفض الاستكانة والصمت؟

 

كلمات مفتاحية

الفاتيكان عند مفترق طرق.. هل يشهد التاريخ أول بابا إفريقي في العصر الحديث؟

تبدو إفريقيا مرشحة لأن تكون في قلب التغيير الكنسي، وسط توقعات تاريخية بإمكانية انتخاب أول بابا إفريقي في العصر الحديث، في خضم صراع بين التيارين التقدمي والمحافظ

الإسكان الاجتماعي المصري.. حلم الشباب في شقة يتبخر

تحول السكن اليوم إلى حلم بعيد المنال للملايين من الشباب من أبناء الطبقة المتوسطة

مخيمات مكتظة وأطفال جياع.. لاجئو السودان يواجهون مصيرًا مجهولًا في تشاد

تشير تقارير مفوضية اللاجئين إلى أن مقاطعات شرق تشاد، التي تأوي أصلًا 400 ألف لاجئ سوداني لجأوا إليها عقب اندلاع حرب دارفور عام 2003، تُعد من بين أكثر المقاطعات حرمانًا في البلاد

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة