في ظل انهيار قوات الدعم السريع.. الجيش السوداني بصدد إعلان السيطرة على الخرطوم
26 يمشي 2025من المتوقع أن تسفر الخطة الثانية التي بدأها الجيش في الخرطوم، أمس الثلاثاء، عن إحكام سيطرته الكاملة على العاصمة وإخلائها من قوات الدعم السريع، نظرًا للمكاسب الميدانية المتتالية التي يحققها الجيش. إذ استعاد الجيش والقوات الداعمة له، اليوم الأربعاء، السيطرة على مطار الخرطوم الدولي، إلى جانب أحياء ومعسكرات جديدة، من بينها معسكر "طيبة الحسناب" الواقع في منطقة جبل أولياء جنوب الخرطوم، والذي يُعدّ أكبر قاعدة عسكرية لقوات الدعم السريع في العاصمة، فضلًا عن كونه مقرًا لوحدة الدفاع الجوي.
إلا أن السيطرة على الخرطوم تطرح تحديات كبيرة، ستشكل، وفق خبراء تحدثوا لـ"الترا صوت"، اختبارًا لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وتحالفاته التي لعبت دورًا محوريًا في حسم معركة العاصمة وغيرها من المعارك.
الجيش لم يتفاجأ بالانهيار المتسارع لقوات الدعم السريع في مدينة الخرطوم، قياسًا بالتطورات الميدانية الأخيرة
في دلالات تحرير الخرطوم
سيطرت القوات التابعة للجيش السوداني، منذ فجر اليوم الأربعاء، على الميناء البري شرقي الخرطوم، ومباني كلية الهندسة بجامعة السودان، بالإضافة إلى أحياء النزهة والصحافة، والجهة الغربية من جسر المنشية، ومصنع اليرموك الحربي، ومعسكر طيبة، فضلًا عن استعادة مدينة الباقير ومقر اللواء الأول مدرعات.
بحسب مصدر سوداني تحدث لـ"الترا سودان"، يجري الجيش ترتيبات ميدانية تمهيدًا لإعلان الخرطوم خالية من قوات الدعم السريع خلال الساعات القليلة المقبلة. وأضاف المصدر: "من المتوقع وصول قادة عسكريين كبار إلى الخرطوم لإعلان السيطرة رسميًا على العاصمة."
وحول مجريات إعلان تحرير الخرطوم، يرى الصحفي المختص في الشؤون الدولية، حاتم درديري، في حديث لـ"الترا صوت"، أن هذه الخطوة "تعني نهاية الحرب من الناحية السياسية"، موضحًا أن الحرب ستتحول "إلى تمرد تواجهه الدولة بالقوة العسكرية، لتنتهي بذلك سردية حرب بين طرفين متساويين، أو صراع بين جنرالين يتنافسان على السلطة."
ويضيف درديري أن "تحرير الخرطوم لا يعني فقط مكاسب عسكرية للدولة السودانية، بل يشكل أيضًا ضربة نفسية للميليشيا، وردًا على خطاب قائدها، حميدتي، الذي توعد بالبقاء في العاصمة والقصر رغم الهزائم الأخيرة. وبفقدانها للعاصمة، أسقطت أسطورة الميليشيا التي يُقال إنها لا تُقهَر." أكثر من ذلك، يرى درديري أن "تحرير الخرطوم يعني قبر وفشل مشروع الحكومة الموازية، حتى لو أُعلن عن تشكيلها" وفق تعبيره.
نشر الجيش السوداني، أمس الثلاثاء، خريطة تُظهر اتساع رقعة سيطرته في مختلف أنحاء البلاد، لكن من غير المؤكد ما إذا كان سيواصل عملياته العسكرية بالزخم نفسه بعد حسم معركة الخرطوم، لا سيما في إقليم دارفور، حيث تتركز قوات الدعم السريع، وحيث يُتوقع أن تعلن عن تشكيل حكومة موازية.
منذ صباح اليوم الأربعاء، تستهدف قوات الدعم السريع أحياء المدينة بالطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة. ولا يستبعد متابعون أن تتمكن من اقتحام المدينة التي تحاصرها منذ قرابة عام، نظرًا لأهميتها الإستراتيجية في إحكام سيطرتها على ولايات إقليم دارفور الخمس.

تحديات أمام البرهان في المستقبل القريب
يرى الباحث الاستراتيجي محمد عباس، في تصريحات لـ"الترا سودان"، أن مهمة البرهان "معقدة بعض الشيء، خاصة في ظل انتظار الإسلاميين، الذين يقاتلون إلى جانب الجيش، تحقيق مكاسب حقيقية عقب السيطرة على العاصمة الخرطوم."
ويضيف عباس أن البيانات الصادرة عن الأمين العام للحركة الإسلامية، علي كرتي، ورئيس المؤتمر الوطني "المحلول"، أحمد هارون، خلال عملية استرداد القصر الجمهوري، تُظهر مدى تأثيرهما في المشهد السياسي والعسكري.
وتابع: "لكن هل يمكن أن تتعاون الرياض مع الحكومة القائمة في ظل تصدّر الإسلاميين للمشهد؟" يستدرك قائلًا: "هذا غير وارد".
ويعتقد عباس أن تقارب الجنرال عبد الفتاح البرهان مع المجتمعين الدولي والإقليمي في المرحلة المقبلة، بعد استقرار الأوضاع في الخرطوم، يعتمد على استجابته لدعوة مفاوضات جدة لإنهاء الحرب.
وأضاف: "من المرجّح جدًا أن يتفاوض الجيش مع قوات الدعم السريع باعتبارها طرفًا أضعف في المعادلة، خلافًا لما كان يحدث في محادثات جدة عام 2023، حين تعامل الوسطاء مع الطرفين على قدم المساواة، باعتبارهما قوتين عسكريتين حكوميتين. هذا التصنيف لن يكون مطروحًا على طاولة ممثلي الجيش مجددًا."
وفيما يتعلق بالمخاوف الغربية من عودة الإسلاميين، يقول الباحث في مجال السلام والديمقراطية، مجاهد أحمد، إن "الأسئلة العالقة والعزلة الدولية لحكومة عبد الفتاح البرهان قبل الحرب وأثناء الانقلاب العسكري على المدنيين تظل قائمة".
ويشير أحمد، في حديث لـ"الترا سودان"، إلى أن رغبة الإسلاميين في "استعادة سلطتهم المفقودة" تتصاعد مع كل تقدم يحرزه الجيش نحو الخرطوم، ما يجعل التفاوض في جدة والاتفاق على عملية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة مدنية معترف بها دوليًا الخيار الوحيد أمام البرهان.
ويرى مجاهد أحمد أن أي محاولة لتشكيل حكومة أحادية بواسطة الجيش لن تحصل على الاعتراف والشرعية، وبالتالي فإن من مصلحة رئيس مجلس السيادة الانتقالي العودة إلى طاولة مفاوضات جدة.
عودة الإسلاميين.. ذريعة تستخدمها الميليشيا
في المقابل، يرى الكاتب الصحفي المختص في الشؤون الدولية، حاتم درديري، في حديثه لـ"الترا صوت"، أن الحديث عن عودة الإسلاميين مجرد "ذريعة سياسية رفعتها القوى الداعمة لميليشيا الدعم السريع بهدف تقويض الدعم الشعبي الذي يحظى به الجيش."
ويضيف درديري أن "الإسلاميين أسقطهم الشعب السوداني في ثورة ديسمبر، أعظم ثورة شعبية"، مشيرًا إلى أن "علي كرتي خاسر على الصعيد الخارجي أمام أي حكومة مستقبلية تسعى لإعادة الإعمار عبر الدعم الدولي. أما ظهوره الإعلامي وتبنيه لدعم الجيش، فليس سوى شكل من أشكال التسلق والانتهازية السياسية، ومحاولة لإيجاد موطئ قدم في المشهد السياسي."
ويتابع: "الجيش هو الضحية الحقيقية لهم، فهم من أسسوا قوات الدعم السريع لإضعافه، ولم يكونوا يثقون به أصلًا. فقد كان مشروعهم يقوم على تمكين الميليشيا على حساب الجيش، والدليل على ذلك قانون الدعم السريع لعام 2017، الذي شرعنه برلمانهم آنذاك".
في المقابل يرى الكاتب الصحفي المختص في الشؤون الدولية حاتم درديري في حديثه لـ "الترا صوت" أن الحديث عن عودة الإسلاميين، مجرد "شماعة سياسية رفعتها القوى السياسية المساندة للدعم السريع
وبالنظر إلى المواقف الخارجية، فإن فرضية عودة الإسلاميين إلى الحكم تبدو مستبعدة أيضًا. فالسعودية، وفقًا لدرديري، تُعدّ أكبر داعم للجيش السوداني، وكانت في مقدمة الدول الرافضة لتشكيل حكومة موازية. وموقفها هذا يطعن في مواقف بعض الدول، مثل الإمارات، التي ترى في القوات المسلحة السودانية مجرد ميليشيا إسلامية.
ويتابع درديري أن تحرير الخرطوم سيؤثر على مواقف المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ففي الحدّ الأدنى، سيؤدي ذلك إلى تغيير سردية "حرب الجنرالين". ويضيف: "لطالما شهدنا في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه السودان تذبذبًا واضحًا، حيث تقف واشنطن في بعض الفترات ضد الحكومات، وتدعم أي تحرك عسكري تقوده الحركات أو الأحزاب المدنية الموالية للغرب. لكن عندما تتكبد الحركات هزائم ميدانية، تميل الكفة لصالح الحكومات سياسيًا وعسكريًا، وتتغير اللهجة، فتبدأ الولايات المتحدة والغرب بالضغط على الحركات والأحزاب للدخول في مفاوضات مع الحكومة."
وقد رأينا هذا النهج في عامي 2014 و2016، بل إن هذه الدول نفسها رفضت إسقاط نظام الإسلاميين خلال الثورة، وحتى عندما وصل الثوار إلى قلب العاصمة، طالبتهم بالدخول في حوار سياسي.
أما بشأن احتمال تفكك تحالف الحلفاء والداعمين للجيش بسبب اختلافاتهم السياسية والأيديولوجية، يستبعد درديري خروج الأمر عن نطاق سيطرة الجيش، معتبرًا أن التنافس يتمحور حول النفوذ السياسي والتأثير في المشهد القادم.
ويؤكد أن أي طرف داعم للجيش، الذي يمثل الدولة حاليًا في مواجهة الدعم السريع، لن يجرؤ على التمرد عليه في هذه المرحلة، لأن ذلك سيكون رهانًا خاسرًا، إذ أصبح الجيش يمتلك ترسانة عسكرية قوية ومتنوعة، تشمل الطيران والمدفعية والطائرات المسيّرة.