1. سياسة
  2. حقوق وحريات

قانون الإجراءات الجنائية يثير الجدل في الشارع المصري

3 يمشي 2025
تعددت الاعتراضات والانتقادات الموجهة للتعديلات الخاصة بقانون الإجراءات الجنائية (منصة إكس)
عماد عنانعماد عنان

عاد قانون الإجراءات الجنائية رقم (150) لسنة 1950 ليفرض نفسه مجددًا على بورصة اهتمام الشارع المصري بعد موافقة مجلس النواب (البرلمان)، يوم 24 شباط/فبراير 2025، على مشروع التعديلات الخاصة بمواده البالغ عددها 544 مادة، مع إرجاء الموافقة النهائية لجلسات قادمة، وسط تباين في المواقف والآراء إزاء ما تحمله تلك التعديلات بشأن منظومة العدالة في مصر.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أصدر في كانون الثاني/يناير 2024 "القانون رقم 1 لسنة 2024" القاضي بتعديل بعض أحكام الإجراءات الجنائية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، لتقدمه الحكومة إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في البرلمان كمشروع قانون في أغسطس/آب من العام نفسه، ليُنشر لاحقًا في الجريدة الرسمية بعد موافقة مجلس النواب عليه.

يُعد قانون الإجراءات الجنائية في أي دولة في العالم أحد الأضلاع الرئيسية في منظومة العدالة، فهو الذي ينظم حق التقاضي أمام المحاكم ويتحكم في المسائل الحقوقية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر

ومنذ اليوم الأول لمناقشة تلك التعديلات، التي استغرقت قرابة 24 جلسة برلمانية، تعاني الساحة المصرية من انقسام حاد إزاء هذا القانون، الذي يعتبره البعض إنجازًا تاريخيًا وخطوة مهمة في مسار العدالة الناجزة، فيما يراه آخرون كارثة حقوقية ستطيح بما تبقى من حقوق المصريين الرئيسية وتُرسخ لترسانة القوانين التي تكبل المواطن وتفقده أبجديات حقوقه الشخصية، وتجتزّ عشب منظومة التقاضي ونزاهتها في مصر.

يُعد قانون الإجراءات الجنائية في أي دولة في العالم أحد الأضلاع الرئيسية في منظومة العدالة، فهو الذي ينظم حق التقاضي أمام المحاكم ويتحكم في المسائل الحقوقية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر، وعلى رأسها الحبس الاحتياطي وآليات الاعتقال والتفتيش وحرمة المنازل، بجانب آليات عمل الدفاع والمحامين.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها هذا القانون تعديلات بشأن بعض بنوده، إذ أجريت عليه تعديلات عدة خلال السنوات الماضية، لعل آخرها تعديل 5 أيلول/سبتمبر 2020 بالقانون 189 لسنة 2020، ليبقى السؤال: لماذا أثارت التعديلات هذه المرة كل هذه الضجة في الشارع المصري؟

إنجاز تاريخي.. دستور مصر الثاني

يرى المناصرون لمشروع القانون أنه يستهدف في المقام الأول تحقيق العدالة الناجزة، حيث يوفر ضمانات أكبر للمتقاضين في عدالة منصفة، وضمانات موازية لحق الدفاع أمام ساحات القضاء، ويُعتبر نقلة نوعية في كفالة ضمانات حقوق الإنسان، فيما يخص تيسير إجراءات التقاضي وإنجاز الدعاوى دون إخلال بقواعد المحاكمة المنصفة وحقوق الدفاع.

رئيس مجلس النواب، حنفي جبالي، يصف القانون بأنه "إنجاز حقيقي" سيسجله التاريخ لهذا المجلس، ويجسد رغبة أمة في بناء حاضرها ومستقبلها، لما له من أهمية وخطورة سواء على المستوى الداخلي أو الدولي، على حد تعبيره، واصفًا إياه بـ"دستور مصر الثاني أو الدستور المصغر" لما ينطوي عليه من أحكام تمس بشكل مباشر حقوق وحريات الأفراد.

أما وزير العدل، المستشار عدنان فنجري، فأكد أن مشروع القانون خضع لمتابعة دقيقة منذ بداية مناقشته في كل إجراء يُتخذ، مضيفًا أن "مناقشة المشروع كانت متأنية ودقيقة من خبراء متميزين وذوي كفاءة عالية في العمل البرلماني والقانوني والقضائي"، منوهًا بأن البرلمان كان حريصًا على دوره الدستوري في تحديث النظام القانوني، على نحو يتماشى مع الوقت الحاضر ويواجه تحديات المستقبل.

وفي السياق ذاته، اعتبر وزير الشؤون النيابية والتواصل السياسي بالحكومة، محمود فوزي، مدير الحملة الرئاسية للسيسي في الانتخابات الماضية، أن "ما بُذل خلال الشهور والأسابيع الماضية من جهود صادقة وعمل برلماني مثمر مشرف استهدف مرضاة الله وصالح الوطن"، لافتًا إلى أن "المجلس النيابي قام بواجبه في مناقشة مشروع القانون بدافع من ضمير صادق ورؤية موضوعية واعية لضرورات الحاضر ومتطلبات المستقبل، لا يثنيه ضغوط أو مزايدات من هنا أو هناك"، مضيفًا: "ابتعدتم عن حوار لا يحكمه المنطق وتمسكتم بقواعد الحوار المنطقي السليم".

من جانبه، اعتبر رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، إبراهيم الهنيدي، أن "اليوم يوم تاريخي، يُسطر فيه بحروف من نور ما أنجزه مجلس النواب برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس مجلس النواب، من إعداد قانون متكامل، يُعد دستورًا ثانيًا للبلاد في ظل جمهورية جديدة يُرسّخها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو مشروع قانون الإجراءات الجنائية".

وأضاف الهنيدي أن القانون يتسم بالعصرية ومراعاة كافة المستجدات التي تتسق مع "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وتنفيذ مخرجات توصيات الحوار الوطني، وتوطيد حقوق الإنسان وحرياته، وسيادة القانون، وتحقيق العدالة الناجزة، دون الإخلال بقواعد المحاكمة، ونظام إجرائي يؤكد أن القانون المصري سبّاق".

كارثة تنسف ما تبقى من الحريات

وعلى الجهة المقابلة، هناك من يرى أن التعديلات الواردة في مشروع القانون كارثية في مجملها، وأنها تقضي على ما تبقى من الحد الأدنى من الحريات الممنوحة للمواطنين، مستندين إلى عدد من البنود والمحاور التي تضمنتها تلك التعديلات، أبرزها:

أولًا: الحبس الاحتياطي
رغم تقليل مدة الحبس الاحتياطي في التعديلات الجديدة، في قضايا الجنح من 6 أشهر إلى أربعة، وفي الجنايات العادية من 18 شهرًا إلى 12، وفي الجنايات المغلظة (المؤبد والإعدام) من 24 شهرًا إلى 18 فقط، وفي المجمل لا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي عامين، إلا أن القانون احتوى على بعض الألغام المدمرة للحريات، منها أنه لم يتطرق إلى مسألة “إعادة تدوير المحبوسين”، والمقصود بها توجيه اتهامات جديدة للمحبوس احتياطيًا قبل انتهاء مدة حبسه الاحتياطي، ليتم تدويره على ذمة قضية جديدة، ويبقى داخل السجن، ما يجعل من خطوة تقليص مدة الحبس الاحتياطي دون جدوى.

علاوة على ذلك، هناك اعتراضات كبيرة بسبب الإبقاء على المواد الفضفاضة، أبرزها (40-42-43)، التي تتعلق بمكافحة الإرهاب، وهي التي تمنح الجهات الأمنية سلطات استثنائية في مسألة الحبس الاحتياطي، وتسمح لها بعدم التقيد بحدودها القصوى طبقًا لقانون الإجراءات الجنائية، وتلك هي المواد الأكثر استخدامًا وتوظيفًا مع المحبوسين على ذمة قضايا سياسية.

ثانيًا: تقييد عمل الصحفيين
تتصاعد المخاوف من عرقلة التعديلات الجديدة لحريات النشر والدفاع عن المتهمين، حيث تنص المادة (266) على عدم جواز نقل وقائع الجلسات أو بثها بأي طريقة، إلا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة بعد إذن من النيابة العامة.

ثالثًا: تقييد عمل الدفاع والمحامين
قلصت التعديلات من نفوذ المحامين أمام ساحات القضاء، حيث منحت النيابة الحق في إجراء التحقيق في غيبة الخصوم، وقيّدت حق المحامين في الحديث أثناء التحقيقات إلا بإذن من وكيل النيابة.

رابعًا: حرمة المنازل والسكن الخاص
منحت المادة (24) مكرر من القانون رجال السلطة العامة سلطة دخول المنازل، دون اقتصارها على مأموري الضبط القضائي، فيما أعطتهم المادة (47) الحق في دخول المنازل دون إذن قضائي.

هذا التعديل بصيغته تلك يتعارض مع المادة (35) من الدستور المصري المعدل في 2019، والتي يعتبرها البعض ضمانة دستورية وقانونية لحرمة المنازل وعدم اقتحامها دون إذن مسبق من القضاء ممثلًا في النيابة العامة، كونها تنص على أن “الملكية الخاصة مصونة، وحق الإرث فيها مكفول، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون، وبحكم قضائي، ولا تُنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل يُدفع مقدمًا وفقًا للقانون”.

خامسًا: التجسس ومراقبة خصوصيات المواطنين

تمنح المادة (79) من مشروع القانون النيابة العامة، بعد الحصول على موافقة القاضي الجزئي، الحق في مراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية للمواطنين، وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي ومحتوياتها، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية والصوتية على الهواتف، وغيرها من وسائل الاتصالات الأخرى.

كما يسمح القانون للنيابة بضبط هذه الأجهزة، وتسجيل المحادثات التي جرت في مكان خاص إذا كان ذلك ضروريًا للتحقيقات في الجنايات أو الجنح التي يُعاقب عليها بالسجن لأكثر من 3 أشهر، محددًا المدة القصوى لعملية المراقبة بألا تزيد على 30 يومًا، لكنه في الوقت ذاته منح النيابة فرصة لتجديدها لمدد مماثلة كلما اقتضت الحاجة.

انتقادات حقوقية دولية

لاقى القانون، بما أثاره من جدل، انتقادات حقوقية لافتة، حيث طالبت منظمات حقوقية دولية عدة، من بينها "منظمة العفو الدولية"، و"ديغنِتي"، و"هيومن رايتس ووتش"، و"لجنة الحقوقيين الدولية"، البرلمان المصري برفض مشروع القانون، لافتة إلى أنه "سيقوّض حماية حقوق المحاكمة العادلة التي أُضعفت أصلًا في مصر، ويزيد تمكين موظفي الأمن المنتهكين".

بدوره، قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "لجنة الحقوقيين الدولية"، سعيد بن عربية: "بدل اغتنام الفرصة لتقديم الحماية والضمانات الضرورية جدًا للحقوق الإنسانية للمعتقلين والمتهمين وإنهاء الاحتجاز التعسفي، يعتزم المشرعون المصريون إدامة نفس الأطر التي سهّلت الانتهاكات الماضية والحالية. يستهزئ مشروع التعديلات بالحوار الوطني المزعوم بين الحكومة والمعارضة، وبمخاوف الضحايا وممثلي المجتمع المدني وهيئات الأمم المتحدة والخبراء المستقلين".

فيما علق الحقوقي محمود شلبي، الباحث المتخصص في الملف المصري بـ "منظمة العفو الدولية"، قائلًا: "لا يفي مشروع قانون الإجراءات الجنائية بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وسيكون له تأثير كارثي على حقوق المتهمين قبل المحاكمة وأثناءها، فهو لا يضمن حق المحتجز في المثول أمام قاضٍ بسرعة، في غضون 48 ساعة على الأكثر من وقت الاعتقال، للحكم في احتجازه. كما تسمح التعديلات لأعضاء النيابة العامة باتخاذ قرارات حاسمة بشأن الاستماع إلى شهود الدفاع، وتمكين أعضاء النيابة العامة من إجراء التحقيقات بدون حضور محامي الدفاع إذا اعتبروا ذلك ضروريًا للكشف عن الحقيقة".

أما المستشار القانوني في منظمة "ديغنِتي"، غرانت شوبين، فقال: "لا يعالج مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح إساءة استخدام الحبس الاحتياطي من قبل السلطات، ما يديم استخدامه التعسفي أداةً عقابية. تجرّؤ السلطات المصرية على الاحتفاء بلا خجل بمشروع القانون هذا يُظهر إلى أي مدى قد ابتعدت هذه الحكومة القمعية عن أبسط معايير حقوق الإنسان الدولية، ويُظهر قدرة الأجهزة الأمنية على تقنين ممارساتها المنتهكة بدون مقاومة تُذكر من مؤسسات الدولة".

ودعت تلك المنظمات، في بيان مشترك لها، السلطات المصرية إلى "إسقاط مشروع قانون الإجراءات الجنائية المقترح، وإعداد مشروع قانون جديد يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وبالتشاور الصادق والشفاف مع المنظمات غير الحكومية المصرية والدولية، والخبراء المستقلين، والضحايا، والمحامين".

لاقى القانون، بما أثاره من جدل، انتقادات حقوقية لافتة، حيث طالبت منظمات حقوقية دولية عدة، من بينها "منظمة العفو الدولية"، و"ديغنِتي"، و"هيومن رايتس ووتش"، و"لجنة الحقوقيين الدولية"، البرلمان المصري برفض مشروع القانون

دعوة لمزيد من النقاش المجتمعي

وبين هذا وذاك، يرى حقوقيون أن قانونًا بتلك الأهمية أكبر من أن يُناقش داخل البرلمان فقط، وأنه بحاجة إلى توسيع دائرة النقاش المجتمعي لتشمل مختلف الكيانات ذات الصلة، قبل تمريره بشكل رسمي والتصديق عليه من رئيس الجمهورية، وهو ما ذهب إليه المحامي الحقوقي، نبيه الجنادي، الذي طالب بفتح سلسلة نقاشات مجتمعية موسعة تستغرق وقتًا كافيًا لمراجعته وتعديله، لافتًا إلى أن القانون ملغّم بالكثير من المواد الكارثية.

الطلب ذاته تقدمت به نقابة المحامين إلى مجلس النواب، حيث نادت بعرض مشروع القانون على مجلس الشيوخ لمزيد من المناقشة وفقًا لما أجازه له الدستور والقانون، لافتة إلى أن بعض النصوص التي تضمنها المشروع أثارت لغطًا وجدلًا كبيرين في الأوساط القانونية بسبب توسع سلطات الضبط والتحقيق والمحاكمة على حساب حق الدفاع، والمساس بحقوق جوهرية للدفاع مقررة ومستقرة بموجب الدساتير والقوانين المتعاقبة والمواثيق الدولية.

أما نقابة الصحفيين، فأرسل نقيبها، خالد البلشي، خطابًا لنقابة المحامين أعلن فيه تضامنه الكامل مع كافة المطالب المرفوعة، مشددًا على ضرورة "طرح المشروع لحوار مجتمعي شامل، تشارك فيه كل أركان منظومة العدالة، والمواطنون، وممثلوهم، والمؤسسات المعنية بالحقوق العامة"، كما حذر في الوقت ذاته من "خطورة تمرير القانون دون نقاش عام، وهو ما سيمثل انعكاسًا لخلل كبير، وستكون آثاره وخيمة على الجميع".

كلمات مفتاحية

في حملة قمع مؤيدي فلسطين.. اعتقال محمود خليل تمّ بلا مذكرة وبانتهاك قانوني

أفاد موقع "أكسيوس" الأميركي أن الطالب محمود خليل، أحد أبرز قادة احتجاجات جامعة كولومبيا المناصرة لغزة، تم اعتقاله دون مذكرة توقيف قضائية، في انتهاكٍ صريح للإجراءات القانونية

الأمم المتحدة: أحكام "قضية التآمر" في تونس نكسة للعدالة ومسار الديمقراطية

اعتبرت الأمم المتحدة أن الأحكام الصادرة بحق المتهمين في ما يعرف بـ"قضية التآمر على أمن الدولة" في تونس، تمثل انتكاسة خطيرة لمسار العدالة وسيادة القانون

المرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تُشرعن التهجير الجماعي في غزة

إسرائيل تمضي قدمًا في تنفيذ المرحلة النهائية من جريمتها وهدفها الأصلي؛ وهو الطرد الجماعي للفلسطينيين خارج قطاع غزة

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة