قضاء في ظل السلطة.. ما وراء "قضية التآمر" في تونس
20 ابريل 2025
تتفاعل في تونس ردود الفعل إزاء الأحكام الثقيلة التي أصدرتها المحكمة الابتدائية بحق 40 متهمًا في ما يُعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة"، بين من يصفها بأنها أحكام مسيّسة تهدف إلى تصفية الخصوم السياسيين تحت غطاء قضائي، ومن يعتبرها خطوة ضرورية لتطبيق القانون ومحاسبة من تجاوز حدوده، نافيًا وجود أي طابع سياسي في المحاكمات كما تقول المعارضة.
وفي غضون ذلك اعتبرت منظمة العفو الدولية أنّ "الإدانات الجماعية لناشطين معارضين بعد محاكمة صورية تمثل لحظة خطيرة في تونس".
يشار إلى أنّ الأحكام الصادرة في قضية التآمر تراوحت بين 13 و66 عامًا، ويتوزّع المعنيون بها بين سياسيين وشخصيات عامة ورجال أعمال وإعلاميين ومحامين، تتهمهم السلطات التونسية بارتكاب جرائم "أهمها التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وتكوين وفاق إرهابي له علاقة بالجرائم الإرهابية والانضمام إليه، وارتكاب الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح، وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي المرتبطة بجرائم إرهابية والإضرار بالأمن الغذائي والبيئة".
أمنستي: الأحكام القاسية بالسجن بحق 40 شخصًا، بعد إدانتهم من قِبل المحكمة الابتدائية بتونس بتهم ملفقة، تشكّل مؤشرًا مقلقًا على مدى استعداد السلطات للمضي قدمًا في حملتها القمعية ضد المعارضة السلمية
ويوجد 18 من المعنيين بتلك الأحكام خارج الأراضي التونسية، فيما حُكم على الباقين، وعددهم 22 حضوريًا، مع الإشارة إلى منع هؤلاء الموقوفين في تونس من المثول حضوريًا أمام المحكمة للإدلاء بشهاداتهم، في خرقٍ سافرٍ حسب فريق دفاعهم لأبسط حقوقهم، الأمر الذي دفع بعضهم إلى الدخول في إضراب عن الطعام.
وتعود قضية التآمر إلى شباط/فبراير 2023، عندما تم إيقاف عدد من السياسيين المعارضين والمحامين وناشطي المجتمع المدني ورجال الأعمال، ووجهت إليهم تهم تشمل "محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة"، و"التخابر مع جهات أجنبية"، و"التحريض على الفوضى أو العصيان".
ومن ضمن الأشخاص الأربعين المستهدفين في هذه المحاكمة، حسب أمنستي، ست شخصيات سياسية معارضة: جوهر بن مبارك، وخيام التركي، وعصام الشابي، وغازي الشواشي، ورضا بلحاج، وعبد الحميد جلاصي. وهم، حسب العفو الدولية، مُحتَجَزون تعسفًا منذ بدء التحقيقات في شباط/فبراير 2023.
وتضيف أمنستي: "كما صدرت أحكام على بقية المتهمين، بمن فيهم عدد من الأفراد الذين احتُجزوا في قضايا أخرى ذات دوافع سياسية مختلفة مثل كبار الشخصيات المعارضة نور الدين البحيري، والصحبي عتيق، وسعيد فرجاني، ورياض الشعيبي المنتمين إلى حزب النهضة الحاكم سابقًا. ولا يزال آخرون، مثل رياض الشعيبي وأحمد نجيب الشابي، طلقاء، لكنهم أدينوا غيابيًا. وتستهدف القضية أيضًا المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان كمال الجندوبي، والعياشي الهمّامي، وبشرى بالحاج حميدة، إضافة إلى رجال أعمال وحملة أسهم في وسائل إعلام خاصة" حسب أمنستي.
وأشارت المعلومات المتداولة إلى الحكم على رجل الأعمال كمال اللطيف بـ66 عامًا، وعلى الناشط السياسي خيام التركي بـ48 عاما، وعلى القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري بـ43 عامًا، فيما حكم على رضا بلحاج، رئيس الديوان الرئاسي سابقًا، والوزير الأسبق غازي الشواشي، ورئيس جبهة الخلاص الوطنية أحمد نجيب الشابي بـ18 عامًا.
وعلى الرغم من أنّ هذا الأحكام لا تعدّ نهائية، حيث بالإمكان استئنافها لدى محاكم الاستئناف والتعقيب، إلّا أنها تثير جدلًا كبيرًا في الأوساط الحقوقية والسياسية التونسية، وتشير إلى حجم الأزمة السياسية في البلاد، منذ فرض الرئيس التونسي قيس سعيد 25 تموز/يوليو للإجراءات الاستثنائية، التي حل بموجبها البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وأعلن بموجبها استفتاءً على الدستور وانتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
ويدّعي أنصار قيس سعيد أنّ الهدف من وراء تلك القرارات إصلاح مسار الثورة ومحاربة الفساد السياسي، في حين ترى المعارضة أنّ الهدف من ورائها تكريس حكم الفرد والاستبداد في تونس.
أنصار قيس سعيد: لا محاكمات سياسية في تونس
يدّعي بدر الدين الغرسلاوي، وهو أمين عام "حزب المسار" المساند لقيس سعيد، في حديث لوكالة الأناضول، أنه ليست في تونس "محاكمات سياسية"، بل وأكثر من ذلك يزعم الغرسلاوي أنه "ليس لنا سياسيون في السجن، لكن هناك أناس خالفوا القانون بالحجة والمستند، وأثبتت التقارير الفنية أنهم قاموا بذلك ويجب أن يحاسبوا" وفق تعبيره.
ويضيف الغرسلاوي: "هل نطبق القانون فقط على المواطن العادي، وإذا أخطأ سياسي نعتبر ذلك محاكمات سياسية"، مردفًا: "هناك عدد من السياسيين ينتقدون الرئيس، بما في ذلك حزبنا، ولا يقع لهم شيء. وهناك وقفات احتجاجية والناس تعبر عن رأيها في وسائل الإعلام الداخلية والخارجية ولا يحاسب أحد".
أما بالنسبة لـ"قضية التآمر"، فهي حسب الغرسلاوي "من مشمولات القضاء وليس لنا مساجين سياسيين في تونس، والمعارضون يتحركون ولا يكلمهم أحد، ولكن من يمس الأمن القومي للبلاد ويتآمر على تونس عليه أن يحاسب دون تشفي، والقضاء هو من يقرر ذلك".
محاكمة صورية في قضية مفبركة
قالت منظمة العفو الدولية إنّ "إصدار أحكام قاسية بالسجن، بحق 40 شخصًا، من بينهم شخصيات سياسية معارضة بارزة ومحامون ومدافعون عن حقوق الإنسان، بعد إدانتهم من قبل المحكمة الابتدائية بتونس بتهم ملفقة، يشكّل مؤشرًا مقلقًا على مدى استعداد السلطات للمضي قدمًا في حملتها القمعية ضد المعارضة السلمية في البلاد".
وأضافت إريكا غيفارا روساس، مديرة البحوث والسياسة وأنشطة كسب التأييد والحملات في منظمة العفو الدولية قائلةً: "إن الإدانة تمثل صورة زائفة عن العدالة وتوضح تجاهل السلطات التام بالواجبات الدولية المترتبة على تونس تجاه حقوق الإنسان وسيادة القانون".
ولفتت أمنستي إلى أنّ المحاكمة شابتها "انتهاكات إجرائية جسيمة، وتجاهلٌ صارخ لأدنى حقوق الدفاع، واستندت إلى تهم لا أساس لها من الصحة"، وترى أمنستي أنه "عوضًا عن إسكات المنتقدين بواسطة ملاحقات قضائية بدوافع سياسية، ينبغي على السلطات أن تُفرج فورًا، ودون قيد أو شرط، عن جميع هؤلاء المحتجزين لمجرد ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية. ويتعيّن على السلطات التونسية أن تبادر فورًا إلى إسقاط الإدانات والأحكام الجائرة. لا يجوز معاقبة أحد على ممارسته السلمية لحقوقه الإنسانية".
وقد ركّز المحامي في هيئة الدفاع، كريم المرزوقي، في تصريح سابق لموقع "ألترا صوت"، على البعد السياسي في هذه الأحكام، من خلال قوله إنها "جاءت استكمالًا لقرار سياسي واضح يقضي بإدانة المعارضين"، فعندما أثيرت القضية شباط/فبراير 2023، قال الرئيس قيس سعيد إن "أحكام التاريخ قد صدرت"، في مسعى واضح للتأثير على أي حكم قضائي، ولذلك اعتبر المرزوقي أنّ "الحكم الجائر الصادر أمس لم يكن سوى تنفيذٍ لقرار سياسي مسبق، في محاكمة تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط العدالة" وفق تعبيره.
ليس ذلك فحسب، بل لفت المرزوقي النظر إلى أنّ "القاضي الذي نظر في القضية لم يُعيَّن من قبل المجلس الأعلى للقضاء، بل من قبل وزيرة العدل، التي – من المفارقة – كانت هي نفسها من حرّكت الدعوى العمومية"، وهذا المعطى يعبّر بوضوح، حسب المرزوقي "عن قرار سياسي مسبق" سُخّر القضاء لتنفيذه، في عدم احترامٍ للفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية.
في السياق ذاته، اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنّ هذه المحاكمة جرت في "سياق قمعي"، اتّسم بحل المجلس الأعلى للقضاء، وعزل عشرات القضاة، وسجن العديد من المعارضين، والتضييق على الحريات السياسية والإعلامية.
بدوره، يرى نبيل حجي، الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" المعارض، أن "تهمة التآمر على أمن الدولة هي تهمة سياسية مفبركة"، مضيفًا لوكالة الأناضول "المتهمون كلهم سياسيون، وبعد الاطلاع على ملف القضية نجد أن ما فيه لا يرتقي إلى تهم"، وأكد حجي أن "السياسي ليس بمعزل عن المتابعة القضائية في دولة يُحترم فيها القانون، ولا أحد بمعزل عن المحاكمة، لكن كيف لشخص متهم بقلب النظام لا يستمع له القاضي مدة سنتين".
لا انفراجة في الأفق
بناءً على هذا النهج في التعاطي مع المخالفين السياسيين، يستبعد قطاع كبير من المعارضة التونسية حدوث انفراجة في المشهد السياسي في البلاد، وفي هذا الصدد يقول نبيل حجي: "لا أعتقد أن الحل السياسي من طرف السلطة ممكن"، متسائلًا "كيف يمكن الوصول إلى حل مع السلطة والرئيس يرفض الحوار".
ولفت حجي إلى أنّ "المعارضة للأسف ضعيفة، وفي حالة خوف، رغم وجود بعض من يمارسون المقاومة السياسية. والإعلام ضُرب بعصا الذل ولا يسمح بحضور أي معارضة في وسائل الإعلام"، مردفًا أنّ "الناس كانت تساعد بتبرعات للأحزاب، لكنها اليوم أصبحت تخاف ذلك"، وفوق ذلك يؤكد حجي أنّ "الخصومات القديمة بين المعارضة لا تزال مستمرة"، مشددًا على أنّ الوقت يستدعي "توحيد القوى، ليس من أجل مشروع مشترك ولا حكم مشترك، بل من أجل فرض بديل للاستبداد".
وأضاف حجي: "كل الأطراف مهما كانت خلافاتها، بما في ذلك حركة النهضة والحزب الدستوري الحر، يجب أن تلتقي على طاولة للحوار، وإذا تحقق ذلك فسيكون هناك زخم في الشارع، وعندئذ سيقول التونسيون إن البلاد ستكون ديمقراطية بغض النظر عن الحاكم".
يشار إلى أنّ رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، يقبعان في السجن، في قضايا أخرى، إلى جانب عدد من رموز المعارضة التونسية.