قمة تحت الضغط.. ترامب ونتنياهو في لقاء بلا وعود
8 ابريل 2025
عندما اجتمع دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو للمرة الثانية في غضون شهرين بالمكتب البيضاوي، لم يكن اللقاء مجرد اجتماع بين حليفين راسخين. بل كان يبدو كأنه عرض أمام الكاميرات لتحالف يتصدع تحت وطأة مصالح متضاربة ومخاطر كبيرة.
عاد ترامب إلى السلطة محملًا بأجندة اقتصادية صارمة وطموحات تفاوضية مع إيران، ولم يعد يقدم الدعم الكامل لإسرائيل كما كان في السابق. بل بدا أنه يستخدم هذا الدعم كأداة تفاوضية مع طهران. في الجهة المقابلة، بدا نتنياهو، المثقل بالفساد والاحتجاجات الداخلية والجرائم المرتكبة في غزة، كمن يسعى للحصول على مكانة في عالم سريع التغير.
رغم الحضور الإعلامي الكبير، لم تخرج القمة بقرارات حاسمة، بل كشفت عن تحول كبير في علاقة الحليفين: شراكة مبنية على الاستغلال المتبادل بدلًا من التحالف القوي
لقاء لتثبيت الصورة الذاتية
على الرغم من الابتسامات والحديث الودي في لقاء ترامب ونتنياهو بالمكتب البيضاوي، بدا واضحًا أن العلاقة بين الرجلين دخلت مرحلة جديدة، يغلب عليها التوظيف السياسي المتبادل بدلًا من التحالف غير المشروط. فقد استغل ترامب اللقاء لتعزيز صورته كصانع صفقات في الشرق الأوسط، حتى وإن جاءت تلك الصفقات على حساب الاستقرار أو الحقيقة، في حين كان نتنياهو بحاجة إلى صورة مشتركة مع ترامب لإثبات قدرته على العودة إلى البيت الأبيض.
وخلف هذه الصورة البروتوكولية، طُرحت ملفات حساسة أبرزها العدوان المتواصل على قطاع غزة والبرنامج النووي الإيراني. وتشير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن اللقاء جاء في لحظة حرجة بالنسبة لترامب، إذ يواجه انتقادات متزايدة لقراراته الاقتصادية وحروبه التجارية، ليس من خصومه فقط، بل حتى من داخل قاعدته الانتخابية.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعا إلى نقل الفلسطينيين من غزة إلى دول أخرى معتبرًا أن ذلك "سيوفر منطقة حرة في القطاع".
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 8, 2025
اقرأ أكثر: https://t.co/6AEptM4hMm pic.twitter.com/fd75EUTOzx
هذه الضغوط دفعت ترامب إلى استخدام نتنياهو كأداة إعلامية لتعزيز موقعه في ملفات الشرق الأوسط، دون أن يتردد في الإشارة إلى أن الدعم الأميركي لإسرائيل لم يعد مجانيًا. في المقابل، حرص نتنياهو على إبداء ولائه العلني، في محاولة لضمان الغطاء الأميركي لأي خطوات إسرائيلية قادمة، وهو ما وصفته وسائل إعلام أميركية بـ"التزلف السياسي".
تصعيد في غزة وتباطؤ في الحسم
رغم مرور 18 شهرًا على بدء الحرب على غزة، وعام على تعهد نتنياهو بأن "النصر في غزة بات على بُعد خطوة واحدة"، لا تزال الأوضاع تراوح مكانها. وبحسب مراقبين، فإن نتنياهو يبدو وكأنه يُمعن في إضاعة الوقت، فيما تضغط إدارة ترامب، ولو إعلاميًا، نحو تحقيق "تقدم ملموس" في ملف المحتجزين، أو على الأقل تصوير نفسها على أنها طرف راعٍ لحل سياسي.
فيما يبدو أن إدارة ترامب تميل للحلول السياسية، فإنها لم تمنع إسرائيل من تنفيذ هجمات عسكرية محدودة في غزة. فبينما يستعرض نتنياهو خططه لاجتياح القطاع، يبدو الجيش الإسرائيلي غير متحمس للمضي قدمًا نحو احتلال فعلي، بل يفضل ممارسة ضغط عسكري محسوب لدفع مفاوضات تبادل الأسرى إلى الأمام.
وفي هذا السياق، كشف المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، الذي شارك في اللقاء، عن ملامح صفقة جديدة من مرحلتين: وقف لإطلاق النار يمتد لعدة أسابيع، مقابل إطلاق دفعة أولى من المحتجزين، يليها تفاوض على صفقة شاملة تشمل إطلاق جميع المحتجزين، أحياءً وأمواتًا.
الطرح المفاجئ من ترامب كان فكرة "استيلاء" الولايات المتحدة على قطاع غزة وإدارته مباشرة، معتبرًا أن "وجود قوة مثل أميركا هناك سيكون مفيدًا". هذه التصريحات، رغم أنها قد تبدو مناورة إعلامية، تكشف عن انزياح خطير في التفكير داخل الإدارة الأميركية، إذ أنها تشرعن مفاهيم التهجير الجماعي والهجرة الطوعية التي ألمح إليها نتنياهو في أكثر من مناسبة.
وهكذا، يصبح قطاع غزة ليس فقط ساحة حرب مستمرة، بل ساحة مفاوضات سياسية معقدة، حيث تتداخل توازنات الداخل الإسرائيلي، والوساطات الإقليمية، مع حسابات إعادة الإعمار الدولية.
بحسب رئيس تحرير صحيفة "هآرتس" ألوف بن، يسعى نتنياهو لتحويل "إسرائيل" إلى دولة ديكتاتورية دينية وقومية، مستفيدًا من دعم إدارة ترامب اللامحدود.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 21, 2025
اقرأ أكثر: https://t.co/WqY1wZMHsc pic.twitter.com/A4mhDvvqA2
في الكواليس.. تحركات سرية مع طهران
تعود إيران مجددًا إلى مركز الاهتمام في واشنطن. في خطوة بدا أنها استعراض للقوة والمرونة في آن واحد. لم تكن المفاجأة الأبرز في اللقاء تصريحات نتنياهو أو وعود ترامب، بل إعلان الأخير عن بدء مفاوضات مباشرة بين واشنطن وطهران في العاصمة العُمانية مسقط، استنادًا إلى رسالة وجهها بنفسه إلى القيادة الإيرانية قبل نحو شهر، تتضمن مطالبة بعقد اتفاق نووي جديد خلال شهرين.
وعلى الرغم من نفي طهران لهذه المفاوضات المباشرة. إلا أن هذه الخطوة كانت تعبيرًا عن استعداد أميركي لتجاوز حساسيات إسرائيل في هذا الملف.
الهدف المعلن لترامب هو إبرام اتفاق نووي جديد "أقوى من اتفاق 2015"، لكنه في الوقت ذاته يلوح باستخدام القوة العسكرية إذا فشلت المفاوضات. هذا التوازن بين الترغيب والترهيب يعيد للأذهان دبلوماسية إدارة أوباما، لكن بنكهة أكثر قسوة وذاتية.
دعم حذر
عبّر بنيامين نتنياهو عن دعمه بحذر للمبادرة الأميركية المتعلقة بفتح قنوات تفاوض مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي. وفي تصريحات أدلى بها عقب لقائه ترامب، قال نتنياهو إن "القضاء التام على البرنامج النووي الإيراني من خلال الوسائل الدبلوماسية سيكون خطوة مرحبًا بها"، لكنه في الوقت نفسه شدد على "ضرورة التصدي لهذا المشروع بأي وسيلة كانت"
وأضاف: "نحن متفقون على الهدف، وهو منع إيران من امتلاك سلاح نووي. وإذا كان بالإمكان تحقيق هذا الهدف عبر السبل الدبلوماسية، كما حدث مع ليبيا، فذلك سيكون أمرًا جيدًا. لكن الأهم هو التأكد من أن إيران لن تصل إلى هذه القدرة تحت أي ظرف".
🔴 زيارة نتنياهو إلى #واشنطن.. إطالة أمد الحرب ضمانًا لبقائه في السلطة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 3, 2025
📌 تأتي هذه الزيارة في وقت تشهد فيه المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحـ ـمـ ـاس عبر وسطاء دوليين تطورات جديدة، حيث من المقرر أن تنطلق مفاوضات المرحلة الثانية التي ستركز على إطلاق سراح باقي المحتجزين لدى… pic.twitter.com/tbxBXAcXiK
إسرائيل كورقة ضغط؟
يرى مراقبون أن ترامب لا يسعى بالضرورة إلى الحرب، بل يحاول استخدام التهديد الإسرائيلي بالتصعيد ضد إيران، كورقة تفاوض تتيح له الوصول إلى اتفاق يعزز صورته "كصانع سلام قوي"، وهو النمط الذي اتبعه مرارًا خلال فترته الرئاسية السابقة. غير أن ذلك يضع إسرائيل في موقع الطرف المنفّذ، الذي يلوّح بالهجوم دون نية حقيقية للحسم، في انتظار ما تسفر عنه المحادثات الأميركية الإيرانية.
زيارة مخيبة للآمال
بدورها، قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو غادر الولايات المتحدة، عائدًا إلى تل أبيب، في ختام زيارة وصفَتها الصحيفة بأنها "مخيبة للآمال". ووفقًا لما نقلته الصحيفة، فإن خيبة الأمل تعود إلى إعلان ترامب المفاجئ عن بدء محادثات مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي.
ورغم أن نتنياهو أبدى دعمًا حذرًا للمسار الدبلوماسي مع طهران، إلا أنه شدد على ضرورة ضمان عدم امتلاك إيران لأي قدرات نووية. في المقابل، أعلن ترامب عن انعقاد اجتماع رفيع المستوى السبت المقبل ضمن إطار المحادثات مع الجانب الإيراني، ما فُهم على أنه تجاوز واضح للموقف الإسرائيلي.
كما رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاستجابة لطلب نتنياهو بإلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الإسرائيلية المقدرة بـ17 %، في حين أعلن الأخير عن التزامه بإلغاء العجز التجاري مع الولايات المتحدة. وهذا الضغط العلني أعاد تشكيل العلاقة من تحالف استراتيجي إلى صفقة قائمة على "المنفعة المتبادلة".
وكانت إسرائيل تأمل في استثنائها من قرار ترامب بفرض رسوم على الواردات العالمية، لكنها خضعت في النهاية للرسوم. وقال ترامب، أثناء وقوف نتنياهو بجانبه: "لا تنسوا أننا نقدم دعمًا كبيرًا لإسرائيل، نحو 4 مليارات دولار سنويًا. هذا مبلغ ضخم". وتابع: "نحن نعامل أصدقاءنا بشكل جيد، على عكس أعدائنا".
🎥 بشروط تعجيزية.. نتنياهو يعرقل مفاوضات الهدنة pic.twitter.com/3irjoDrKtA
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 4, 2024
من يملك مفاتيح الحل؟
رغم الحضور الإعلامي الكبير، لم تخرج القمة بقرارات حاسمة، بل كشفت عن تحول كبير في علاقة الحليفين: شراكة مبنية على الاستغلال المتبادل بدلًا من التحالف القوي. ترامب، الذي يسعى لتحقيق نصر دبلوماسي يعزز من صورته الانتخابية، يستخدم ملفات غزة وإيران كورقتين في معركته السياسية. بينما يسعى نتنياهو للحصول على دعم خارجي لتأجيل لحظة سقوطه.
الأخطار لا تقتصر على التصريحات، بل تكمن في استعداد الطرفين للمقامرة. ترامب مستعد للقيام بحركات كبيرة في المنطقة لتحقيق صفقة، ونتنياهو لا يتردد في الإقدام على حرب طويلة للبقاء في منصبه.