كيف أصبحت نساء كوريا الشمالية من الأفضل عالميًا بكرة القدم؟
7 ابريل 2025
ينظر أيُّ متابعٍ لكرة القدم، أو أيِّ رياضةٍ، إلى ممثلي كوريا الشمالية في المحافل الدولية بنظرة شفقة، فهو لا يعلم عن هذه الدولة إلا أنها معزولة عن العالم، وأن زعيمها يتحكم في كل من يسكن أراضيها، ومنهم هؤلاء الرياضيين الذين يشاهدهم على الشاشة.
يُصدم هذا المتابع عندما يرى منتخبًا من كوريا الشمالية يصل إلى أدوار متقدمة في أي بطولة، وتبدأ التساؤلات عن كيفية حدوث ذلك، خصوصًا أن سياسات الدولة، وانعزالها عن العالم، لا توحي بأن هناك مواهب يمكن أن تخرج منها إلى النور، ويُستبعد أن تصل إلى مناصب التتويج.
الرياضة أداة للدعاية السياسية في كوريا الشمالية
ركزت أيديولوجيا كوريا الشمالية على ترسيخ الرياضة كأداة للترويج لنفسها، وغرس العِزّة في نفوس الكوريين الشماليين. والرياضة بالنسبة لهم ليست رفاهية، كما هو الحال في الكثير من الدول التي تُخرِج المواهب التي أحبّت رياضةً ما في صغرها، بل هي فرضٌ على الطفل الكوري الشمالي منذ صغره، ولا يوجد طفل لا يمارس الرياضة في كوريا الشمالية.
تنتصر الشيوعية بانتصار هؤلاء النساء الشابات أمام الشعب، ولكن لا تكترث هؤلاء الشابات لكلمات التحفيز تلك، بل هدفهن هو حياة أفضل
بدأت تترسخ هذه الفكرة مع وصول كيم إل-سونغ إلى كرسي زعامة كوريا الشمالية، والذي تبنّى الرياضة كأداةٍ لنشر الشيوعية، لأنه رأى أنها تجعل أيّ شخصٍ قادرًا على حماية الوطن في أي لحظة، وأراد أن يتسلّم أفرادًا جاهزين للخدمة العسكرية عند إتمام السنّ القانوني في الأغلب. ومع وصول ولي العهد، كيم جونغ-إل، لم تتغيّر هذه الفكرة، بل سيطر هو الآخر بنفسه على كلّ المؤسسات الرياضية داخل الدولة، وأراد أن تصبح الرياضة هي مصدر الفخر الدولي لكوريا الشمالية.
تعامَل كيم جونغ-أون بشكلٍ أفضل مع الرياضة من جدّه ووالده، مستعينًا بالرياضة كقوةٍ ناعمةٍ لكوريا الشمالية، حيث بنى مؤسساتٍ أكبر للرياضة في كوريا، وأراد أن تُساهِم دولته المعزولة في المسابقات العالمية مثل الأولمبياد وكأس العالم، وكأنها الطريقة التي يريد بها أن يرى العالم دولته بعيدًا عن السياسة.
تُعتبَر الرياضة داخل الأراضي الكورية مصدرًا لفخر المواطن الكوري، الذي يرى جهود حزب العُمّال على هيئة انتصارات، دولية كانت أو محلية، عندما يرى رياضيّ كوريا الشمالية يفوزون بأيّ شيء. وعلى الصعيد الدولي، تُقدِّم كوريا الشمالية نفسها للعالم كدولةٍ تستطيع أن تنجح مهما حاولت القوى الخارجية صَدّها، جاعلةً من الرياضة أداةً للترويج للحزب في الداخل والخارج.
جيلٌ ذهبيٌّ أنتجته كوريا الشمالية في كرة قدم السيّدات
نجحت استراتيجية كوريا الشمالية مع منتخبات السيدات الناشئات، حيث استطاعت في عام 2024 أن تفوز بكأسَي العالم تحت 17 و20 سنة، في ظل غيابها عن كرة قدم الرجال، والنساء في سن الاحتراف، وهذا ما حفّز الكثيرين لطرح سؤال: "لماذا قطاع الناشئين أفضل في كوريا الشمالية؟".
تتمحور استراتيجية كوريا الشمالية في كرة القدم حول الكفاءة. حصول منتخب يحمل علمها على ميدالية ذهبية أفضل من تمثيل مشرّف، وفي عالم كرة قدم السيدات، يُعد هذا أسهل مقارنةً بالرجال، خصوصًا أن الكثير من مواهب الناشئين في كرة القدم الرجالية تلعب في مستوياتٍ قوية لا يمكن لمنتخب مثل كوريا الشمالية أن يضاهيها في أفضل أحواله.
ركّزت كوريا على صغار لاعبات كرة القدم، والتي يُنظر إليها كقطاع لتطوير المواهب الشابة التي بدأت مشوارها الكروي مبكرًا، مقارنةً بمنتخبات العالم. تطوّر كوريا منتخب السيدات للفوز ببطولات الشباب، وليس لتطوير مشروع طويل الأمد يمكن جني ثماره في كأس العالم للسيدات، وتنظر إلى هذا وكأنه مشروع قومي يجب أن يتم تحت أي بند.
تضع منتخبات الدول القوية بطولات الشباب في خانة التطوير، ولكن كوريا الشمالية تُخضع كل لاعبي كرة القدم اليافعين، منذ سن 13 عامًا، لنظامٍ صارم ليستطيعوا مواجهة المنتخبات الأخرى، التي عادةً ما تتعامل مع هذه البطولات بأريحية أكثر مقارنةً بكوريا.
حافزُ اللاعباتِ هو حياةٌ أفضلُ لعائلاتهنَّ بالكامل
تنتصر الشيوعية بانتصار هؤلاء النساء الشابات أمام الشعب، ولكن لا تكترث هؤلاء الشابات لكلمات التحفيز تلك، بل هدفهن هو حياة أفضل. يوفر الحزب للرياضيين أصحاب الميداليات حياةً جديدة في بيونغ يانغ، لهن ولعائلاتهن، وهذا هو الحافز الأول لهن، وليس إظهار صورة الشيوعية كما يريد حزب العمال الحاكم.
تعيش الكثير من اللاعبات في المناطق النائية، التي تفتقر إلى الكثير من الخدمات. أزمات الغذاء، سوء الرعاية الصحية، غياب المرافق الأساسية، والبنية التحتية كلها أشياء طبيعية في هذه المناطق، والعاصمة بيونغ يانغ تخلو من هذه المشاكل، وهذا كافٍ بالنسبة لعائلةٍ تعيش في ظروفٍ صعبة ولا يحق لها دخول العاصمة، والآن تستطيع أن تحصل على سكنٍ وعملٍ فيها بسبب ابنتهم.
قد لا نرى هؤلاء الشابات إلا في البطولات الدولية
يظن أي متابع لكرة القدم أن منتخب السيدات هذا سيتصدر سوق الانتقالات، ولكن في الأغلب لن يرى هؤلاء اللاعبات مرةً أخرى. دعمت كوريا الشمالية هؤلاء اللاعبات لسببٍ واحد، وهو تبييض الصورة العامة في المحافل الدولية، وعَدا هذا، لن يكون لهن دورٌ آخر إلا في نطاق قطاع الرياضة الكوري الشمالي.
يعود السبب وراء ذلك إلى حظر التعامل التجاري بين كوريا الشمالية والدول الأخرى، وهذا يعني أن هؤلاء اللاعبات لن يتم طرحهن للبيع، وحتى لو كانت كوريا على علم باهتمام فريق أجنبي بإحدى اللاعبات، ستفرض الحكومة الكورية على الفريق أن يدفع لها المال مقابل خدماتها.
حدث هذا من قبل مع اللاعب ري ميونغ-هون، الذي أراد دوري كرة السلة الأمريكي استقطابه من كوريا الشمالية، والذي رفض كيم جونغ-إل خروجه إلى أمريكا، وبلّغ وقتها ممثل الدوري بأن أمريكا يجب أن تدفع ثمنه على هيئة شحنات قمح ليسمح له باللعب في الخارج.
يظل مستقبل هؤلاء الفتيات مرتبطًا بكوريا الشمالية، وإن سنحت فرصة لرؤيتهن مرةً أخرى، فستكون في بطولاتٍ منظمة من خلال الفيفا، الألعاب الأولمبية، أو بطولات اتحاد آسيا لكرة القدم فقط.