كيف حمت الحكومات الإيطالية المتعاقبة قادة المليشيات الليبية؟
14 فبراير 2025
في قضية أثارت جدلًا واسعًا، أفرجت الحكومة الإيطالية عن رئيس الشرطة القضائية الليبية أسامة انجيم المعروف بـ"المصري"، والذي تم اعتقاله في 19 كانون الثاني/يناير الماضي في مدينة تورينو الإيطالية بناءً على مذكرة اعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
بعد الافراج عنه عاد انجيم على الفور إلى ليبيا، مما أثار تساؤلات حول دور الحكومة الإيطالية في دعم وحماية قادة الميليشيات الليبية بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011.
تضمن الدعم الإيطالي للميليشيات الليبية توفير الأموال والشرعية السياسية والحماية من التحقيقات القضائية الدولية
وفي هذا السياق، سلط موقع " إل بوست" الإيطالي الضوء على الدور الذي قامت به الحكومات الإيطالية المتعاقبة في دعم وشرعنة مختلف قادة الميليشيات الليبية، ولم تكن حالة الضابط الليبي سوى حلقة من سلسلة طويلة من العمليات السياسية والدبلوماسية، التي كانت غالبًا خارج القانون وبطرق مثيرة للجدل.
الخلفية: إيطاليا وليبيا بعد سقوط القذافي
بعد سقوط نظام القذافي في عام 2011، دخلت ليبيا في حالة من الفوضى والصراعات الداخلية، حيث سيطرت الميليشيات المسلحة على أجزاء كبيرة من البلاد. هذه الميليشيات، التي كانت متورطة في جرائم حرب محتملة، وتهريب البشر، وانتهاكات منهجية لحقوق الإنسان، أصبحت القوة الفعلية المسيطرة على الأرض، بدلًا من حكومة ليبية مركزية شرعية.
خطوة أثارت جدلًا واسعًا.. السلطات الإيطالية أفرجت عن الضابط الليبي أسامة انجيم، أحد المشتبه بهم الرئيسيين في ارتكاب جرائم حرب في #ليبيا.https://t.co/sTr3eSiHW0
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 29, 2025
ومع ذلك، حافظت الحكومات الإيطالية المتعاقبة على علاقات وثيقة مع هذه الميليشيات، وذلك لسببين رئيسيين، وهما: الوصول إلى موارد النفط والغاز، حيث أن ليبيا تمتلك احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، وتعتمد إيطاليا بشكل كبير على الطاقة المستوردة، لذا سعت إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع هذه الميليشيات لضمان استمرار تدفق النفط والغاز إلى أراضيها.
بالإضافة لوقف تدفق المهاجرين، فمنذ عام 2011، أصبحت ليبيا نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين غير النظاميين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط. إيطاليا، التي تعد واحدة من الدول الأوروبية الأكثر تأثرًا بموجات الهجرة، اعتمدت على الميليشيات الليبية لمنع المهاجرين من الوصول إلى شواطئها.
دعم إيطاليا للميليشيات الليبية
لقد تضمن الدعم الإيطالي للميليشيات الليبية توفير الأموال والشرعية السياسية والحماية من التحقيقات القضائية الدولية. ووفقًا للصحفي لوكا غامبارديلا من صحيفة "أل فوليو"، الذي يعد من أهم الصحفيين متابعة لتطور العلاقات بين إيطاليا وليبيا، فإن هذه الإجراءات يمكن وصفها بأنها "مجاملات" من إيطاليا لليبيا.
منذ عام 2015، ضغطت الدبلوماسية الإيطالية في المؤسسات الأوروبية لتوجيه أموال الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا. على سبيل المثال، بين عامي 2015 و2022، قدم " الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل افريقيا "، 465 مليون يورو لمشاريع في ليبيا، العديد منها متعلق بمراقبة الحدود وإدارة الهجرة. ومع ذلك، لا يُعرف بالضبط أين ذهبت هذه الأموال. فقد كشفت تحقيقأجراه لورينزو بانيولي وفابيو بابيتي عام 2022 أن أقل من نصف الأموال المخصصة لمشاريع إدارة الحدود والهجرة تم تتبعها، بينما يُعتقد أن الجزء المتبقي قد تم تحويله إلى الميليشيات لتمويل أنشطتها.
📌 أعاد تداول مقطع فيديو يعرض تعذيب فتاة إثيوبية في #ليبيا تسليط الضوء على الانتهاكات المروعة التي ترتكبها عصابات الاتجار بالبشر.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 11, 2025
📌 تحتجز هذه العصابات المهاجرين الذين يسعون للوصول إلى #أوروبا، وتبتز عائلاتهم بطلب فدية لإطلاق سراحهم. pic.twitter.com/R2XRbc9DoT
منطقة (SAR) الليبية
بين عامي 2017 و2018، عملت الحكومات الإيطالية المتعاقبة، بقيادة باولو جنتيلوني ثم جوزيبي كونتي، على ضمان اعتراف المنظمة البحرية الدولية (IMO) بمنطقة البحث والإنقاذ (SAR). هذه الخطوة كانت رمزية مهمة لليبيا، حيث منحتها شرعية دولية في إدارة عمليات الإنقاذ في البحر المتوسط. ومع ذلك، فإن إدارة منطقة (SAR) تتطلب قدرات لوجستية كبيرة، وهو ما لا تمتلكه ليبيا، خاصة وأن خفر السواحل الليبي يتكون في الواقع من ميليشيات مسلحة.
الاتفاقيات الثنائية
تم توقيع مذكرة تفاهم بين إيطاليا وليبيا في عام 2017، والتي تم تجديدها تلقائيًا كل ثلاث سنوات. هذا الاتفاق، الذي تم توقيعه مع حكومة فايز السراج في طرابلس، لم يتم تعديله من قبل أي من الحكومات الإيطالية اللاحقة، بما في ذلك حكومة ماريو دراجي والحكومة الحالية بقيادة جورجيا ميلوني. ومع ذلك، فإن خفر السواحل الليبي متهم بالتواطؤ مع مهربي البشر واستخدام العنف ضد المهاجرين، دون أي إدانة علنية من الحكومة الإيطالية.
العلاقات مع خليفة حفتر
حافظت الحكومات الإيطالية المتعاقبة أيضًا على علاقات وثيقة مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا. على الرغم من كونه زعيمًا متمردًا غير معترف به دوليًا، فقد التقى الأخير بعدة رؤساء وزراء إيطاليين، بما في ذلك جوزيبي كونتي ورئيسة الوزراء الحالية جورجيا ميلوني. كما زار ابنه، قائد ميليشيات "طارق بن زياد"، صدام حفتر، إيطاليا في صيف عام 2024، وخلال عملية تفتيش تم احتجازه لمدة ساعة تقريبًا في مطار نابولي، لكن سرعان ما تم الإفراج عنه وعاد إلى ليبيا دون أي مشاكل.
محكمة إيطالية أمرت بإطلاق سراح الضابط الليبي أسامة انجيم، المعروف بلقب "المصري"، بعد اعتقاله في مدينة تورينو الإيطالية بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 22, 2025
اقرأ أكثر: https://t.co/FNwyZABB2u pic.twitter.com/LOQwYmTjWG
وبحسب الموقع الإيطالي، فقد سافر رئيس جهاز المخابرات الإيطالي الخارجي جيوفاني كارافيللي إلى طرابلس في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي لإبلاغ المسؤولين وقادة الميليشيات الليبية الذين صدرت ضدهم مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، لتجنب اعتقال أي منهم.
الانعكاسات الدولية
أثار هذه العلاقات انتقادات دولية، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الميليشيات الليبية. في عام 2022، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا يتهم ميليشيات صدام حفتر بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومع ذلك، لم تتخذ إيطاليا أي إجراءات علنية ضد هذه الانتهاكات.
وعلى مدار السنوات الماضية، دعمت إيطاليا ليبيا بشكل كبير، سواء من خلال التمويل الأوروبي أو الدعم الدبلوماسي واللوجستي. ومع ذلك، فإن هذا الدعم كان يأتي على حساب حقوق الإنسان وسيادة القانون، حيث تم توجيه الأموال والموارد إلى ميليشيات مسلحة متورطة في انتهاكات خطيرة.