1. رياضة

كيف دمجوا كل الرياضات القتالية في "رياضة" واحدة لن تعترف بها اللجنة الأولمبية؟

24 فبراير 2025
من هزيمة مكريغور التاريخية أمام محمدوف (جيتي)
عمر محمودعمر محمود

يحب الناس مشاهدة العنف، في الأفلام وألعاب الفيديو، ولكن لا يحبون ممارسته. يعشقون رؤية شجارات الشوارع، ودائمًا تجد في أعماقهم حب الاستطلاع عند رؤية شخص يضرب الآخر. متعة بالنسبة للكثيرين، حتى لو كان معظمهم يكره أن يتعارك مع أحد، ولهذا عشق الملايين رياضات القتال منذ بداية الخليقة.

يُحكى في أساطير الإغريق أن هرقل وثيسيوس هما من اخترعا أسلوب البانكريشن، وهو مزيج من المصارعة والملاكمة، والذي أصبح جزءًا من الألعاب الأولمبية عام 648 قبل الميلاد. وكانت هذه الرياضة من الألعاب المحببة في أولمبيا، التي عشقت العنف في أساطيرها وحروبها.

يشهد العالم الآن نفس المبارزات، ولكن في أقفاص يحيطها الجماهير من كل زاوية، وبداخلها لاعب ينوي أن يستخدم كل عضلة في جسده ليقضي على خصمه، وليتوج ببطولة أيًا كان وزنه. يُروج للفنون القتالية المختلطة، أو "MMA"، على أنها رياضة، ولكن حتى الآن لم تتبناها الأولمبياد التي تبنتها قبل ولادة المسيح.

بداية خلط فنون القتال

يوضح التاريخ أن القتال لم يكن مقسمًا إلى فنونٍ مختلفة، فلو نظرنا إلى البانكريشن، لوجدنا أنه أسلوب قتال بربري. يمكن استخدام اللكمات، والإخضاع، والضرب بالقدم، وحتى الخنق. تغيب فكرة الملاكمة باليد أو المصارعة بمفردها. استنادًا إلى تاريخ القتال في الماضي، فإن ما حدث هو تقسيم القتال إلى فنونٍ مختلفة، مثل المصارعة الرومانية والملاكمة، لكنها مبنية على الأساس نفسه: القتال حتى الفوز.

تقترب عروض فنون القتال المختلطة من المصارعة الحرة، لكن مع فرق أساسي، فالقتال فيها حقيقي

يقترب البانكريشن من قتال الشوارع، إذ كان الممنوع فيه العضَّ وضربَ العين، مثله مثل القتالات في البرازيل. بدأت الفالي تودو في البرازيل، لتقدم الفكرة نفسها التي قدمها البانكريشن في عشرينيات القرن الماضي، حيث يتنافس اثنان في قتالٍ مسموحٍ فيه بكل شيء، دون أي غطاءٍ لليد، ودون تحديدٍ للوزن أو الوقت. يكون الفوز بسقوط المنافس مغشيًا، وهذا ما أحبه رواد عروض السيرك البرازيلي في الماضي.

تتشارك كل أساليب القتال تلك في نقطتين: غياب القواعد التي تجعل القتال أكثر آدمية، وغياب التخصص في فن قتالي واحد. تحويلها إلى مسابقات يُوافق عليها المجتمع تطلَّب فصل فنٍّ عن آخر، ووضع قواعد محددة لكل أسلوب لضمان سلامة المتنافسين، خصوصًا أن كل رياضةٍ منها لها نصيبها من النقد، حتى مع وجود قواعد صارمة.

ولادة الفنون المختلطة كما نعرفها الآن

تُمارَس فنون القتال المختلطة الآن على هيئة أحداث، فمثلًا، تُعَدُّ UFC أولَ وأكبرَ منظمةٍ لفنون القتال المختلطة، وهي تنظم حدثًا كل شهر. يُقسَّم المقاتلون إلى فئاتٍ حسب الوزن، ويحاولون الوصول إلى أعلى ترتيبٍ لمنافسة بطل كل فئة، وهذا النظام تتبعه تقريبًا كل المنظمات.

جراج روريون جراسي كان الملهم الأول

ابتكرت عائلة جراسي فنَّ الجو-جيتسو البرازيلي، وهو فنٌّ للدفاع عن النفس يعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على المصارعة. أرادت العائلة أن تروِّج لهذا الفن، فبدأت تحدي جراسي المفتوح، الذي يتحدَّى فيه فردٌ من العائلة، عادةً صغير الحجم، أيَّ مقاتلٍ كبيرٍ يعتمد على أيِّ فنٍّ قتاليٍّ آخر.

بدأت سلسلة التحديات تلك منذ عشرينيات القرن الماضي، وتوارثتها الأجيال اللاحقة من العائلة، حتى روريون جراسي، الذي استضاف التحدي المفتوح في جراج منزله. شهد هذا الجراج أكثر من 130 طالبًا لفنِّ القتال البرازيلي في كاليفورنيا، واستضاف فيه جراسي أيَّ مقاتلٍ محليٍّ، حتى يقاتله بفنِّ عائلته ويثبت أن أيَّ مقاتل، بأيِّ حجمٍ أو فنٍّ، يمكن للجو-جيتسو التغلب عليه.

حدث UFC 1: بداية أول منظمة لفنون القتال المختلطة

قرر روريون جراسي أن ينقل تجربة جراج منزله إلى التلفاز، وتعاون مع آرت دافي، أحد مروِّجي نزالات فنون القتال، لعقد حدث UFC 1 في كولورادو، التي لم تكن تمتلك لجنةً رياضيةً لمباريات القتال، مما يعني أنهم لم يكونوا بحاجةٍ إلى الحصول على أيِّ رخصةٍ لعقد نزالات الحدث.

استلهم عرض UFC الفكرة الترويجية من لعبة Street Fighter، وهي لعبة فيديو قتالية، فوضع المقاتلين في قفصٍ ثُمانيِّ الأضلاع، وكان ذلك لغرض عرض القتال بصورةٍ أكثر وحشية. حتى القوانين عكست وحشية القتال، حيث اكتفت بمنع الآتي:

  • استخدام المنشطات
  • العض
  • ضرب العين
  • الضرب تحت الحزام

غابت فكرة تحديد وقت المباراة في أول عرض، ولم يرتدِ المقاتلون قفازاتٍ إلا إذا أرادوا، وللفوز بقتال يجب أن تُخضع أو تُسقط خصمك بضربةٍ قاضية، ولا توجد حمايةٌ مثل التي نراها الآن من ضربات خلف الرأس أو الضرب في المفاصل.

اعتمد حدث UFC 1 على الأدوار الإقصائية، وفاز به في النهاية أخفُّ مقاتل، وهو رويس جراسي، الذي أدى رسالته بإثبات أن فن الجو-جيتسو يمكنه أن يقضي على أيِّ مقاتل، حتى لو كان وزنه أكبر بـ 20 كيلوجرامًا.

فشل العرض على الصعيد التجاري، فلم يحضر إلا 7800 شخص، وهذا أقلُّ من نصف حجم ملعب ماكنيكولس، ولكن هذا لم يوقف UFC عن إقامة أحداثها، التي وصلت حتى الآن إلى 312 حدثًا في فترةٍ تجاوزت 30 عامًا.

التحول من فن قتال بربري إلى نظامٍ "أكثر إنسانية"

ظهرت فنون القتال المختلطة تحت مظلة المنظمات، ووضعت هذه المنظمات القواعد الخاصة بها. مُنعت ممارسة الرياضة في بعض الولايات، منها نيويورك، لأنها كانت عنيفة بشكل مبالغ، ووصفها السيناتور جون ماكين بأنها "عراك ديوك بشري"، بسبب مستوى العنف الذي كان مبالغًا فيه، حتى مع ممنوعات الـ UFC.

يظل هذا قرارًا صائبًا من الولايات، لأن ما هو أسوأ قد يحدث، مثل الضرب خلف الرأس أو ضرب أي مفصل في الجسد، ولهذا السبب تمكنت اللجان الرياضية في كل ولاية من وضع قوانين موحدة للرياضة. بدأت ولاية نيفادا، ووضعت بعض الأسس التي تبنتها كل المنظمات. تقسيم المقاتلون حسب الوزن، وضع حدود زمنية للمباريات، لتلجأ بعدها إلى التحكيم إن لم يفز أحد بقاضية أو إخضاع، منع الضرب خلف الرأس، والكثير من القوانين الأخرى.

انتعشت منظمات القتال المختلط بعد هذا القرار، والذي بدأ من أرض المراهنات وعروض القتال الشهيرة لرياضات مثل المُلاكمة، وظل الـ UFC يعمل مع باقي اللجان الرياضية المختلفة، مثل الوكالة الأمريكية لمنع المنشطات، والتي تعاون معها الـ UFC لاختبار كل المقاتلين المتعاقدين مع المنظمة، للتأكد من أن اللعب يظل نظيفًا داخل وخارج القفص.

يستحيل تحويلها إلى رياضة بمعاييرها الحالية

التعريف العام للرياضة هو: "أي مجهود جسدي يُمارس وفق قواعد متفق عليها ضمن إطار تنافسي." للوهلة الأولى، قد يظن أي متفرج أن فنون القتال المختلطة تُعد رياضة، لكنها تميل أكثر إلى "القتال الترفيهي" لعدة أسباب، منها ما يتعلق بمبدأ الرياضة ذاته، ومنها ما يرتبط بإدارتها.

منظمات بقوانين غير موحدة تحت مظلة واحدة

ننظر إلى أوروبا، فنجد الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم يعمل ضمن إطار الاتحاد الأوروبي لكرة القدم "يويفا"، والذي بدوره يخضع للإطار الذي وضعه الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا". على النقيض، لا تمتلك منظمات فنون القتال المختلطة هيئة موحدة تشرف على جميع المنافسات.

تقدم منظمات مثل الـ UFC وPFL نظامًا أساسيًا متشابهًا، لكن لا يمكن لمقاتلين من منظمتين مختلفتين أن يتواجهوا داخل القفص. يصبح بطل المنظمة بطلًا داخلها فقط، ولا يدافع عن لقبه خارجها، إذ لا يوجد ما يُعرف بـ"البطل الموحد" في فنون القتال المختلطة. فالمقاتلون في النهاية موظفون في شركات، وليسوا رياضيين دوليين.

ينطبق الأمر ذاته على القواعد؛ إذ تمنع الـ UFC الضرب بالقدم على الخصم وهو على الأرض، بينما تسمح منظمة Rizin بركل الوجه في تلك الوضعية، وهو ما يجعل القتال أقرب إلى العراك في الشارع منه إلى الرياضة. كما تختلف المنظمات في تصميم ساحات القتال؛ فقفص الـ UFC ثُماني الأضلاع، في حين أن قفص منظمة Bellator دائري الشكل وأكبر بنسبة 25% من قفص الـ UFC.

تحديد النزالات على هوى المروّج

في كرة القدم، يجب على الفرق مواجهة جميع الخصوم للوصول إلى لقب الدوري، بينما تختلف رياضات القتال المختلطة في هذه النقطة. فالمنظمات تهدف بالأساس إلى تحقيق أكبر قدر من الأرباح، ما يجعلها تختار النزالات بناءً على العائد المالي أكثر من اعتمادها على المنطق الرياضي.

ظهر هذا بوضوح في نزال كونور مكجريجور ضد إيدي ألفاريز. في ذلك الوقت، كان مكجريجور المقاتل الأعلى مبيعًا في الـ UFC، وحاملًا لحزام وزن الريشة، وسعى ليصبح أول مقاتل في تاريخ المنظمة يحمل حزامين في آن واحد عبر مواجهة ألفاريز على لقب الوزن الخفيف. من الناحية المنطقية، كان من المفترض أن يخوض مكجريجور نزالات في ترتيب الوزن الخفيف ليصل إلى المركز الثاني، مما يمنحه حق التنافس على اللقب.

لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا؛ فقد قرر دانا وايت، رئيس الـ UFC، منح مكجريجور نزالًا مباشرًا على اللقب دون أن يواجه أي مقاتل آخر في الوزن الخفيف. فاز الأيرلندي في حدث UFC 205، ليصبح الحدث الأكثر ربحًا في تاريخ المنظمة آنذاك.

تمكن مكجريجور من الوصول إلى هذه الفرصة لأنه كان نجم المنظمة الأبرز، القادر على بيع التذاكر وجذب المشاهدات، حتى لو كان ذلك على حساب مقاتلين آخرين كانوا أكثر استحقاقًا للفرصة. تسعى الـ UFC دائمًا لتعظيم أرباحها، مما يجعلها بعيدة عن العدالة التي تتمتع بها الرياضات التقليدية، وأقرب إلى العروض الترفيهية.

الترفيه هو العامل الأول لنجاح هذه "الرياضة"

تقترب عروض فنون القتال المختلطة من المصارعة الحرة، لكن مع فرق أساسي: القتال فيها حقيقي. يلعب الترويج دورًا محوريًا، حيث تعتمد المنظمات بشكل كبير على المؤتمرات الصحفية التي تشهد تبادل الشتائم بين المقاتلين، وذلك لإضافة عنصر "الدراما" الذي يسهم في بيع المزيد من التذاكر وجذب المشاهدين.

في عالم القتال المختلط اليوم، يتم قياس النجاح بناءً على "الوصول" الجماهيري، أي مدى انتشار المقاتل وتأثيره عبر وسائل التواصل الاجتماعي. حتى لو كان هناك مقاتل يتمتع بمهارات فائقة لكنه لا يجيد الترويج لنفسه، فغالبًا ما يكون في أسفل سُلّم الرواتب ويصل إلى نزالات البطولة متأخرًا مقارنةً بمن يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة. هذا ما يجعل مقاتلين مثل كونور مكجريجور وغيرهم في قمة المشهد، حتى لو لم يكونوا الأفضل رياضيًا.

"فوضى جذابة" لا تحتاج إلى سمة الرياضة حتى تنجح

إن أرادت فنون القتال المختلطة أن تتحول إلى رياضة، فعلى كل المنظمات أن تتوحد تحت مظلة واحدة، وهذا لن يحدث. لنكن واقعيين، لا توجد منظمة سترغب في ربط أرباحها بكيان آخر يفقدها استقلالها. ومن الواضح بأن الوصول إلى أعلى مكانة في هذه الرياضة يحتاج للتركيز والتضحية بكل شيء، حتى جسد المقاتل، ولكن في نهاية المطاف هي ليسترياضة. هي مجرد عرض لا يمكن توقع نهايته، دموي وفوضوي، وهذا ما يجعله مميزًا، لكن مهما حدث، لن تصبح رياضة، ولا تستحق هذه المكانة.

كلمات مفتاحية
image

ذئاب روما تفترس الإنتر ونابولي ينقض على صدارة الكالتشيو

خسر إنتر ميلان آخر 3 مباريات له في مختلف المسابقات، وودع كأس إيطاليا، وأزاحه نابولي من صدارة الكالتشيو

محمد صلاح يقود فريقه لتحقيق الحلم.. ليفربول بطلًا للبريميرليغ

دخل محمد صلاح تاريخ البريميرليغ، وعادل ليفربول الرقم القياسي الذي احتكره مانشستر يونايتد لسنوات، كما كسر هينة مانشستر سيتي على المسابقة في الأعوام الأربعة السابقة

روديغير يعتذر بعد تصرفه العدواني تجاه حكم الكلاسيكو والريال يترقب عقوبة نجومه

اعتذر روديغير عن سلوكه أمام حكم مواجهة الكلاسيكو، فيما ينتظر ريال مدريد عقوبة ثلاثة من نجومه البارزين

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة