كيف نستفيد من الذكاء الاصطناعي في العثور على الأطفال المفقودين في سوريا؟
6 يناير 2025
نشرت شقيقة الدكتورة رانيا العباسي، الدكتورة نائلة، مجموعة من الصور المولّدة بالذكاء الاصطناعي لأطفال شقيقتها الستة، الذين اعتقلهم أمن النظام السوري السابق قبل أكثر من عقد، بهدف الحصول على مساعدة في جمع معلومات عن الأطفال.
ويظهر في الصور كل طفل على حدة، في آخر ظهور لهم قبل اعتقالهم عام 2013، إلى جانب الصور المُخلّقة بواسطة الذكاء الاصطناعي التي تصوّر ملامحهم بعد مرور أكثر من 10 سنوات على الاعتقال. الجدير بالذكر أن الصور القديمة المتوفرة للأطفال ليست جميعها مُلتقطة في تواريخ قريبة من يوم اعتقالهم.
وفي بث مباشر على صفحته في فيسبوك، اتهم حسان العباسي، شقيق الدكتورة رانيا، منظمة "قرى الأطفال SOS" بالمسؤولية عن فقدان الأطفال، مشيرًا إلى تورط المنظمة في إخفاء الأطفال الذين يُنقلون إليها من فروع النظام الأمنية وسجونه بعد اعتقال ذويهم، بحسب قوله.
وكانت إدارة قرى الأطفال في سوريا قد أصدرت بيانًا حول هذه الاتهامات، جاء فيه: "نعترف بالمخاوف السابقة بشأن الأطفال الذين أُحيلوا إلى منظمات الرعاية، بما في ذلك قرى الأطفال SOS سوريا، من قِبل الحكومة السابقة خلال الحرب الأهلية. إن هؤلاء الأطفال الذين انفصلوا عن أسرهم خلال النزاع تم وضعهم في رعايتنا من قِبل السلطات دون توثيق لأصولهم. وقد حدثت هذه الإدخالات القسرية في منشآتنا حتى عام 2019، عندما طلبنا من السلطات التوقف عن إرسال حالات الأطفال المذكورة إلينا". وأكدت المنظمة أنها لا تحتفظ بأي من أطفال الدكتورة رانيا، مشيرة: "ولم يبقَ أيٌّ من هؤلاء الأطفال في رعايتنا اليوم".
أكد خبير في الذكاء الاصطناعي على ضرورة وجود نموذج ذكاء اصطناعي وطني تجمع فيه البيانات المتوفرة لدى المنظمات الحقوقية والمؤسسات الرسمية السورية
خبير الذكاء الاصطناعي والإعلام، عبد اللطيف الحاج، أكد في حديثه لـ"الترا صوت" أنه لضمان تحقيق أعلى دقة ممكنة في تجربة توليد صور الأطفال المفقودين بالذكاء الاصطناعي، يجب مراعاة عدة عوامل.
وشدد الحاج على ضرورة أن تكون الصور "مولّدة بواسطة نموذج ذكاء اصطناعي مخصص لإنتاج الصور، وأن يتم ذلك بواسطة مختصين ذوي خبرة. كما يجب معرفة الجهة التي تقف وراء تطوير هذا النموذج". وأشار في هذا السياق إلى أهمية وجود "نموذج ذكاء اصطناعي وطني تُجمع فيه البيانات المتوفرة لدى المنظمات الحقوقية والمؤسسات الرسمية السورية، لأنه سيكون أكثر كفاءة من أي نموذج آخر في البحث عن المفقودين".
ويرى الحاج أن نشر الصور المُخلّقة بالذكاء الاصطناعي على وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن الجزم بفائدته. وأوضح أن وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد خوارزميات تعرض الصور بناءً على تفضيلات المستخدم، ما يعني أن المستخدم يحصل على منتج مخصص لتفضيلاته الشخصية. لذلك، قد يكون الحل هو عرض الصور مباشرة على الجهات التي يُعتقد أنها تمتلك معلومات عن الأطفال المفقودين.
الصور المخلّقة بالذكاء الاصطناعي على وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن الجزم بفائدتها، لأن وسائل التواصل تعرض الصور على المستخدمين لديها باستخدام خوارزميات تكيف المعلومات للتناسب مباشرة مع رغبات المستهلك
وأوضح الصحفي الاستقصائي والخبير في الذكاء الاصطناعي في الإعلام الآلية التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي، قائلًا: "إن النموذج يستطيع تخليق منتج نهائي بناءً على البيانات المدخلة، وعلى بيانات نموذج الذكاء الاصطناعي ذاته، وطريقة إدخال البيانات، حيث تلعب هندسة الأوامر التي يدخلها المستخدم دورًا رئيسيًا في تحديد شكل المنتج النهائي".
وشدد الحاج على ضرورة التعامل مع النتائج بحذر وعقلية نقدية، لأن النماذج المتوفرة اليوم للعامة تُصنف كـ"ذكاء اصطناعي ضيق أو ضعيف". وأكد أن الذكاء الاصطناعي لا يُغني عن الدور الإنساني، وأن الحاجة إلى مختصين في قضايا التوثيق، مثل الصحفيين الاستقصائيين والخبراء القانونيين، تبقى قائمة. وأضاف أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة مساعدة لهم في تصفية الكم الهائل من المعلومات المضللة.
وبيّن الحاج أن نشر البيانات بأي صيغة كانت، سواء صورة أو صوت أو ملفات، قد يُسبب مشاكل قانونية ومجتمعية وأخلاقية. فعلى سبيل المثال، تُعد الصور المُخلّقة حقيقية بالنسبة لعائلات الضحايا، لكنها لا تُعتبر دليلًا موثوقًا لدى المؤسسات الرسمية. ونوّه إلى أن إنتاج نموذج ذكاء اصطناعي وطني يتطلب استكشاف الجوانب الاجتماعية والأخلاقية والقانونية لهذه التكنولوجيا لضمان استخدامها بشكل أخلاقي ومستدام.
قد تكون الصور المولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي حقيقية بالنسبة لعائلات الضحايا، ولكنها بالنسبة بالمؤسسات الرسمية لا تمثل دليلًا حقيقيًا
في آذار/مارس 2013، اعتقل النظام السوري الطبيبة وبطلة العرب وسوريا في رياضة الشطرنج، رانيا العباسي، مع موظفة كانت تعمل في عيادتها، وأطفالها الستة الذين تراوحت أعمارهم بين عام ونصف و14 عامًا. تم الاعتقال بعد يومين من اعتقال زوجها بسبب تقديم مساعدات لأسر نازحة من حمص. حتى اليوم، لا تزال المعلومات حول مصير الأطفال الستة والدكتورة رانيا والموظفة غير متوفرة، فيما تم الإعلان عن مقتل زوجها تحت التعذيب بعد تسريب صورة له ضمن ما يُعرف بـ"تسريبات قيصر".
وفي تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان بمناسبة اليوم العالمي للطفل في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، قالت إنه لا يزال ما لا يقل عن 5298 طفلًا قيد الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختفاء القسري، على يد أطراف النزاع في سوريا منذ آذار/مارس 2011 وحتى 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، منهم 3702 على يد قوات النظام السوري السابق، و859 على يد قوات سوريا الديمقراطية، و371 على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة، و319 على يد تنظيم داعش، و47 على يد هيئة تحرير الشام.