1. قول

كيف نهزم الدكتاتور في عقولنا؟

2 يناير 2025
(Getty) الخوف في سوريا لم يكن مجرد شعور، بل أسلوب حياة
غيث حمورغيث حمور

بعد سقوط الأسد، شعر السوريون للحظة أن القيد قد انكسر، لكن الحقيقة أن الطاغية الأكبر ما زال يسكن بيننا. ليس في القصر الرئاسي هذه المرة، بل في عقولنا، في الطريقة التي نفكر بها، في الحوار الذي نُجريه مع أنفسنا ومع الآخرين. إنه ذلك الدكتاتور الداخلي الذي يهمس لنا: "لا تفكر بحرية، بل فكر بطريقتي"، أو "إذا أردت التحدث، تحدث كما أريد أنا أن أسمعك". لا يحتاج هذا الطاغية إلى جيش أو شبيحة، فهو ببساطة يستثمر في الخوف، التردد، والرغبة في السيطرة، ليصبح القائد الفعلي لقراراتنا اليومية.

الدكتاتور الداخلي لم يولد فجأة، بل تم زرعه منذ الطفولة، عندما كانت أولى دروسنا: "أسكت! هذا عيب". ثم جاء النظام ليُكمل المهمة، عبر قصص عن أولئك الذين تجرأوا على الحديث، ليجدوا أنفسهم "خلف الشمس" أو مع "ضيوف غير مدعوين". ومع الوقت، تحول الخوف من نظام الأسد إلى عادات فكرية وسلوكية، تجعلنا نمارس الاستبداد على أنفسنا، بل وأحيانًا على الآخرين.

في سوريا اليوم، الناس يتحدثون، لكن حديثهم كثيرًا ما يكون بطريقة يعكس فيها كل شخص دكتاتوره الخاص. من يتحدث يريد فرض رأيه على الآخرين، وكأن حرية التعبير لديه تعني أن الكل يجب أن يتبنى رأيه. ومن لا يتحدث، يلتزم الصمت خوفًا من المواجهة، مُفضلًا "البقاء جنب الحيط". هذا المشهد يعكس بوضوح أن الدكتاتور، حتى بعد سقوطه، قد ترك إرثه في عقولنا، ليُعيد صياغة العلاقات بين الناس بطريقة تصادمية أو صامتة، لكنها دائمًا مقيّدة.

المعركة ضد الدكتاتور الداخلي ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة. تبدأ بخطوات بسيطة: جرب أن تستمع بدلًا من أن تفرض رأيك. حاول أن تقول "لا" عندما تشعر أن الخوف يسيطر عليك

الخوف في سوريا ليس مجرد شعور، بل أسلوب حياة. كبرنا ونحن نسمع قصصًا عن "الذي قال كلمة واختفى"، أو "الذي انتقد الحكومة فاختفى هاتفه معه". أصبح الخوف في عقولنا مثل شجرة زيتون عجوز، عميقة الجذور، تُثمر ترددًا واستكانة. حتى بعد الثورة، استمر هذا الخوف، وكأنه شبح يطاردنا، يجعلنا نتصرف وكأننا ما زلنا نعيش تحت حكم الأسد. كثيرون ما زالوا يتجنبون التعبير عن آرائهم الحقيقية، ليس لأن النظام ما زال يراقب، بل لأنهم اعتادوا على رقابة أنفسهم.

في المجالس العامة والخاصة، هناك حوارات، لكنها غالبًا ليست حوارات حقيقية. إنها أشبه بمعركة خفية: كل طرف يحاول فرض منطقه الخاص. لا مجال للاستماع أو التفاهم. من يعارضك يتحول فورًا إلى "عدو"، ومن يوافقك يصبح شريكًا في رأيك المطلق. هذه الديناميكية تعكس أن الدكتاتور لم يسقط تمامًا، بل انتقل من القصر إلى كل عقل يمارس استبدادًا صغيرًا على الآخرين.

لكن كيف نتحرر من هذا الطاغية الداخلي؟ الحل ليس في الصمت ولا في الصراخ، بل في إعادة تعريف الحوار والحرية. أول خطوة هي إدراك أن كل منا يحمل دكتاتوره الخاص. عندما تتحدث، اسأل نفسك: هل أحاول التعبير عن رأيي فقط أم فرضه على الآخرين؟ عندما تصمت، اسأل: هل أصمت لأنني خائف، أم لأنني لا أملك شيئًا لأقوله؟ هذا النوع من التساؤل يساعدنا على التعرف على الطاغية الداخلي والبدء بمواجهته.

التجارب العالمية تُعلّمنا أن سقوط الطاغية الفعلي لا يعني نهاية الاستبداد. في ألمانيا، بعد سقوط النازية، كان هناك وعي بضرورة مواجهة الماضي عبر برامج تعليمية وثقافية لمحاربة الفكر الاستبدادي المتجذر. وفي جنوب إفريقيا، كانت لجان المصالحة الوطنية وسيلة لإعادة بناء الثقة، ليس فقط بين الأفراد، بل أيضًا بين الإنسان ونفسه. ما يمكن أن نتعلمه من هذه التجارب هو أن سقوط الأسد ليس كافيًا إذا لم نواجه أنفسنا ونعيد بناء عقولنا.

المعركة ضد الدكتاتور الداخلي ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة. تبدأ بخطوات بسيطة: جرب أن تستمع بدلًا من أن تفرض رأيك. حاول أن تقول "لا" عندما تشعر أن الخوف يسيطر عليك. عبّر عن رأيك بصدق، لكن تذكر أن رأيك ليس الحقيقة المطلقة. إذا بدأ كل منا هذه الثورة الصغيرة داخل رأسه، فإننا نضع حجر الأساس لسوريا جديدة.

سوريا التي نحلم بها ليست مجرد وطن بلا طغاة، بل وطن بلا طغيان داخلي. إذا استطعنا تحرير أنفسنا من إرث الخوف والاستبداد، يمكننا أن نبني مجتمعًا يتقبل الاختلاف ويحترم الحوار. الثورة الحقيقية لا تبدأ في الشوارع فقط، بل في العقول والقلوب. سوريا التي نريدها تبدأ عندما نتعلم أن الحرية ليست خطرًا، بل حقًا، وأن الحوار ليس معركة، بل فرصة للتفاهم.

كلمات مفتاحية

بين مرايا الدم وأقلام الحياد.. خيانة المثقف العربي لقضاياه

لم تعد غزة مجرد جغرافيا محاصرة، بل غدت اختبارًا أخلاقيًا للإنسانية، ومرآة تعكس نفاق المجتمع الدولي وعجزه عن وقف المجازر المرتكبة على مرأى ومسمع من العالم.

رغم الخسائر والضغوط.. لماذا تتجنب مصر استهداف اليمن عسكريًا؟

تمثل العلاقات المصرية اليمنية حالة استثنائية شديدة التمايز والخصوصية، إذ يربط البلدين قائمة مطولة من القواسم المشتركة، المتنوعة بين الثقافي والسياسي والجغرافي

بعد نصف قرن... هل غادر لبنان "بوسطة الموت"؟

عشية الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، كان متحف "نابو"، في شمال لبنان، يجهّز مساحة في حديقته تتعدّى الزمان والمكان، خصّصها لحفظ بوسطة عين الرمانة، أو "بوسطة الموت"، كي "تكون الحرب عبرة وتحفيزًا لكتابة تاريخ حرب لبنان"

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة