مآسٍ لا توصف.. الأزمات النفسية لأطفال غزة بسبب العدوان الإسرائيلي
24 ديسمبر 2024
سلّطت صحيفة الغارديان البريطانية الضوء على المعاناة النفسية لأطفال غزة جرّاء العدوان الإسرائيلي، حيث رصد عاملون بمؤسسة "وور تشايلد الخيرية" مجموعةً من المشاكل النفسية التي يواجهها الأطفال كجزء من الآثار النفسية للحرب، على غرار "الالتصاق الزائد بالأبوين والقلق والخوف الشديد، وظاهرة التبول اللإرادي، ورفض المشاركة في الأنشطة، هذا فضلًا عن عدم القدرة على النوم ومواجهات صعوبات في تناول الطعام".
وفي التفاصيل أفاد مسؤول الحماية في حالات الطوارئ بمؤسسة"وور تشايلد" محمد إبراهيم بأنّ العديد من أطفال غزة "فقدوا قدرتهم على الحديث، ولم يعد بإمكانهم التواصل مع أفراد عائلاتهم بسبب الصدمة الشديدة، ويعاني بعضهم الغضب الشديد، وأصبحت تصرفاتهم دفاعية وعدوانية، وأصيب بعضهم بإعاقات في النطق، بما في ذلك التلعثم".
وأكّدت مراسلة الغارديان في غزة كارولين ديفيز أنّ عمّال مؤسسة وور تشايلد التي تعمل على تقديم خدمات لتعزيز الصحة النفسية والتعليم لـ180 ألف طفل في القطاع، يتعاملون يوميًا مع مثل تلك الحالات، الأمر الذي جعل "تقديم الإسعافات الأولية النفسية الطارئة" عادةً لدى المؤسسة التي تقدم تلك الإسعافات بأشكال عديدة، "منها جمع الأطفال في المخيمات مع مدرب للعب والرسم والغناء لتخفيف التوتر، وإقامة أماكن تدريس مؤقتة ومجهزة بما تيسر من المستلزمات الدراسية"، هذا بالإضافة إلى قيام المؤسسة بعقد جلسات "لأولياء الأمور تشرح خلالها سبل دعم أطفالهم، في حين تتمّ إحالة الأطفال الذين يعانون صدمات نفسية معقدة إلى خبراء متخصصين".
معاناة الطفولة في غزة فاقت كلّ التصورات
ولا يقتصر الدعم الذي تقدمه المؤسسة على التدخل النفسي أو المرافقة العلاجية النفسية، بل يشمل أيضا "توفير الاحتياجات الأساسية قدر الإمكان، لإدراكها أنه لا يمكنك تقديم الدعم النفسي لطفل جائع أو التعليم لطفل يشعر بالبرد"، وذكر مسؤول الاستجابة للطوارئ للغارديان أنّ من بين تلك الاحتياجات التي يتم توفيرها "الطعام والمياه النظيفة والمأوى والبطانيات ومستلزمات النظافة والدورة الشهرية".
وقدّم مسؤول الاستجابة للطوارئ مثالًا بحالة أحد الأطفال الغزيين الذي أصيب بالبّكّم جراء صدمة شديدة،حيث يتلقى هذا الطفل ـ واسمه محمد ـ حاليًا "استشارة فردية في زاوية ملجأ مكتظ يؤوي 3 آلاف شخص، وهو الآن لا يستطيع التواصل إلا من خلال الرسم، إنه فعليًا أصبح أبكم، وليست لديه القدرة على الكلام بسبب الرعب الذي طاله جراء الحرب".
وتابع مسؤول الاستجابة للطوارئ "لا يبلغ الطفل من العمر إلا 6 سنوات، من الصعب جدا على أي شخص أن يتخيل ذلك".
ويزداد الوضع سوءً بالنسبة للأطفال المصابين إصابات بالغة أدت إلى بتر أطرافهم، والذين فقدوا السند العائلي، بموت الأبوين جراء الغارات الإسرائيلية. وبحسب إحصائيات أعلنت عنها المنظمة الدولية للطفل "يونيسيف" فإن في غزة حاليًا أكثر من "17 ألف طفل بلا مرافق، وهم عرضة لتهديدات لا تعد ولا تحصى، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والاستغلال".
وتنقل الغارديان عن مسؤول الاستجابة للطوارئ بمؤسسة وور تشايلد قوله "لا يمر يوم دون أن ألتقي بطفل أو طفلين يتامى ومفصولين عن عائلاتهم، ومؤخرًا وجدنا 3 أطفال بالشارع الساعة الواحدة بعد منتصف الليل أثناء الحرب والخطر يحيط بهم من كل زاوية، وكان أكبرهم يبلغ من العمر 10 سنوات وأصغرهم فتاة عمرها 6 سنوات تعاني من إعاقة، ولا يزال البحث عن عائلاتهم مستمرا، وهناك حالات مشابهة كثيرة" على حدّ قوله.
وتؤكد مؤسة وور تشايلد أنّ "النساء والأطفال في غزة على شفا حفرة من الانهيار النفسي"، وفي هذا الصدد تقول إحدى المساعدات الفنيات في المؤسسة ممن يعملن يوميًا مع النساء والأطفال وتدعى نداء: "إنه من دون الدعم الذي نقدمه -خاصةً الخدمات النفسية للنساء والأطفال- فإن العديد ممن رأيتهم سيصابون بالجنون حقا"، معتبرةً أنّ "النساء يتحملن العبء الأكبر من الحرب، فهن يحاولن رعاية أطفالهن تارة، والتعامل مع ضروريات الحياة تارة أخرى، بما في ذلك طهي الطعام الشحيح على الحطب".
ولا يستثني الخطر حسب المؤسسة المتطوعين والعاملين، حيث تقول مراسلة الغارديان في غزة "إن المخاطر الشخصية التي يواجهها أفراد مؤسسة وور تشايلد هائلة، خصوصًا بعد أن لقي عاملون آخرون في منظمات غير حكومية حتفهم جراء هجمات إسرائيلية".
ونقلت الغارديان عن بعض المتطوعين تأكيدهم أنهم "قد نزحوا ما بين 10 و12 مرة، وجميعهم فقدوا فردًا واحدًا من أحبتهم على الأقل"، بل إنّ مسؤول الاستجابة للطوارئ في المؤسسة أكد للغارديان "أنه فقد نحو 100 قريب وحبيب، ولا يزال أبناء عمه وأعمامه وعمته تحت الأنقاض بعد مرور عام"، هذا فضلًا عن تعرضه هو شخصيًا للإصابة.