مؤتمر وارسو.. إعلان المعلن بشأن حلف التطبيع
19 فبراير 2019
مصافحات دافئة وإعلان للمُعلن بالفعل، هكذا يمكن وصف مؤتمر أعمال وارسو للسلام في الشرق الأوسط، بحيث بدا أن هناك علاقات توشك أن يتم إعلانها رسميًا بين دول الخليج وإسرائيل. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يبتسم ويمزح مع قادة البحرين والإمارات والسعودية، ليعلق يوسف بن علوي أيضًا، قائلًا: "لقد عانى الناس في الشرق الأوسط الكثير بسبب تمسكهم بالماضي. الآن نقول، هنا تبدأ حقبة جديدة من المستقبل". كيف لا وقد اقتسم قادة البحرين والسعودية والإمارات الخبز والملح مع إسرائيل في وارسوعلى حد تعبيره كما أوردت صحيفة الغارديان البريطانية.
كان مؤتمر وارسو بالنسبة للسعودية وقت رد الجميل بعد وقوف إدارة ترامب إلى جوار ابن سلمان، إبان الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها على خلفية قضية خاشقجي
وارسو: خريطة العلاقات والتوازنات: من يدفع لمن؟
توضح قمة وارسو خريطة العلاقات والتوازانات العالمية الحالية بين الولايات المتحدة ودول الخليج وخاصة السعودية، التي كان مؤتمر وارسو بالنسبة لها وقت رد الجميل بعد وقوف إدارة ترامب إلى جوار ولي العهد، إبان الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها الرياض على خلفية قضية خاشقجي. كانت هذه الفرضية أبرز ما أوردتهه صحيفة هآرتس الإسرائيلية التي نقلت ما قاله خبراء ومحللون، عن كون السعودية على استعداد اليوم أكثر من أي وقت مضى للتخلي عن مواقفها التقليدية تجاه إسرائيل بفضل الدعم الواسع الذي تلقته من ترامب وبومبيو وكوشنر في أعقاب مقتل خاشقجي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي في قنصلية بلده في إسطنبول.
اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: مؤتمر وارسو.. دلالات المكان والأهداف والخلفيات
وكان السيناتور الجمهوري السابق بوب كوركر، الذي ترأس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ حتى كانون الثاني/يناير الماضي قد كتب مقالًا في صحية واشنطن بوست يتحدث فيه عن الدعم الذي قامت به إدارة ترامب لنظام الرياض، واصفة النظام هناك بالحليف الذي لا يُصدق.
هذا بالنسبة لنظام بن سلمان في الرياض، الذي قدم بالفعل الكثير من أجل الإسرائيليين، حين فتحت المملكة العربية السعودية مجالها الجوي أمام طائرة ركاب متجهة إلى إسرائيل في آذار/مارس الماضي، وكسرت بذلك الحظر المفروض منذ 70 عامًا على الطائرات التجارية التي تحلق فوق المملكة للوصول إلى تل أبيب، ومن قبلها بالعديد من الخدمات كان من أهمها تصريح ولي العهد نفسه محمد بن سلمان بحق الإسرائيلين بوطن داخل فلسطين المحتلة.
أما بالنسبة للأنظمة العربية الأخرى، فقد قدمت أكثر مما هو كافٍ كعلامات مشجعة لإسرائيل للاقتراب كحليف "علني للمنطقة"، منها على سبيل المثال لا الحصر، سلسلة من التغريدات والبيانات التي أدلى بها مسؤولون بحرينيون لدعم الأعمال الإسرائيلية ضد إيران وحزب الله، واجتماعين عامين بين نتنياهو والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
نتنياهو يحظى بدفء ما قبل نيسان!
تقيم إسرائيل علاقات دبلوماسية رسمية مع دولتين عربيتين فقط، هما مصر والأردن. لعقود من الزمان، كان الثمن الذي دفعته إسرائيل مقابل احتلالها للأراضي الفلسطينية هو عزلها و مقاطعتها، غير أن الأحداث التي جرت في قمة دامت يومين في وارسو تحكي قصة مختلفة.
يحب نتنياهو المباهاة بعلاقات قوية مع الدول السنية "المعتدلة" على حد تعبيره، التي دفعت الكثير بالفعل، في خطوات تسبق قليلًا اعترافًا رسميًا بها. كان من تمظهرات ذلك مصافحة دافئة مع وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي بن عبد الله، سبقتها زيارة تاريخية قام بها نتنياهو في نهاية العام الماضي إلى السلطنة، عندما اجتمع مع السلطان قابوس، وهي أول زيارة من نوعها منذ أكثر من عقدين. كما أعار وزير خارجية اليمن، نتنياهو ميكروفونه بعد أن كان جالسًا طوال الوقت بجواره، وكان الأمر ملفتًا للانتباه إلى الحد الذي جعل جيسون جرينبلانت مبعوث ترامب للشرق الأوسط يشيد في تغريدة على تويتر بهذا المشهد الودي.
وقد وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي من المرجح أن يصبح أطول رئيس وزراء يبقى في منصبه، حال فوزه في الانتخابات القادمة في نيسان/أبريل، مواطنيه بأن العلاقات الدافئة مع الدول العربية، ستكون على مرمى حجر، رغم جهود السلام الباهتة مع الفلسطينيين.
كراهية إيران والتجارة، كانا هما أساس أجندة إسرائيل في وارسو وما جمع بينها ودول عربية، حيث وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي في غرفة تضم رؤساء وزراء 60 دولة، بالإضافة إلى وزراء خارجية الدول العربية البارزة، ليتحدث عن أجندات مستقبلية ضد التهديد المشترك للنظام الإيراني. وتأمل إسرائيل أن يحجب محتوى هذه الأجندة التضامن الشعبي العربي مع الفلسطينيين، ولا زالت الدول العربية تعول، في بياناتها الرسمية، على مبادرة السلام السعودية، كوثيقة استرشادية لما تسميه الحكومات الرسمية العربية "السبيل لإنهاء أزمة الشرق الأوسط"، على اعتبار أن "الصراع" العربي الإسرائيلي، كما درجت الأدبيات الرسمية الإعلامية العربية على تسميته، أهم أسباب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
أما بشأن مشاركة الدول الأوروبية، فقد اختارات ألمانيا وفرنسا عدم إرسال وزراء خارجياتهم بسبب مخاوف من أن الاجتماع قد يسلط الضوء على توترات القوى الكبرى بشأن قرار واشنطن العام الماضي، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وإعادة فرض العقوبات ضد طهران. وفي بادرة توضح أن مؤتمر وارسو لم يكن ضمن أولويات أوروبا في هذه الفترة، قال مسؤول في الاتحاد الأوروبي إن فيديريكا موغيريني وهي إحدى اللاعبين الرئيسيين في الاتفاق النووي الإيراني لن تكون ضمن الحضور في المؤتمر لأسباب تتعلق بجدولها المزحم.
اقرأ/ي أيضًا: تقارير إسرائيلية: السعودية مع نتنياهو في معركته الانتخابية
أما جاريد كوشنر فيبدو أنه قد انتهز الوقت لتحويل خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط إلى حقيقة، وهي حقيقة بغيضة بدأت بالاعتراف الأمريكي الرسمي بالقدس عاصمة لإسرائيل. ما كان ثابتًا في المشهد السياسي في وارسو على الأقل، أن الدول الخليجية الكبيرة كالسعودية والإمارات، أفرغت أهم أدوات الضغط على إسرائيل بتعاونها معها، وقدمت ما يكفي من قرابين سياسية لمحاباتها، عسكريًا وأمنيًا واستراتيجيًا، مراهنة على ضعف الموقف الفلسطيني وسط التخاذل العربي الرسمي التام، وضعف الموقف الشعبي تحت وطأة الحكومات الشمولية العربية التي تناهض أي حراك في مهده، وتبشر بانضمام المزيد من الدول العربية إلى نادي التطبيع الرسمي.
يبقى التساؤل الذي تركه مؤتمر وارسو مفتوحًا، أمام احتمالات صارت معروفة، هو إن كان هذا الود العلني بادرة جديدة، قد يصبح بعدها مشروع العلاقات الرسمية مع تل أبيب أمرًا محسومًا
يبقى التساؤل الذي تركه مؤتمر وارسو المثير للجدل، مفتوحًا، أمام احتمالات صارت معروفة، هو إن كان هذا الود العلني بادرة جديدة، قد يصبح بعدها مشروع العلاقات الرسمية مع تل أبيب أمرًا محسومًا. أما الفائز الأوضح، فقد كان نتنياهو، الذي بدا واثقًا من تعزيز سرديته قبل الانتخابات المرتقبة للكنيست، المتعلقة بتبشير الإسرائيليين بجوار آمن ومعتدل، وبصفقات ستحقق نجاحًا اقتصاديًا ملموسًا.