ما هي أقدم حضارة في المنطقة العربية؟
9 مايو 2024
للحديث عن أقدم الحضارات، أولًا علينا أن نعرف ما تنطوي عليه كلمة الحضارة، فالحضارة هي نظام معيشي متكامل، سياسيًا واقتصاديًا وجغرافيًا، أي أنها مرحلة متقدمة عن وجود إنساني معين في حيز جغرافي معين، وبذلك تتعدى في معناها ذلك إلى قواعد راسخة متطورة من نواحٍ تقنية مختلفة تشكل أساسًا صلبًا للأمم التي تليها.
تعد الحضارة السومرية أقدم حضارة في المنطقة العربية، وتعود أصولها إلى 6000 قبل الميلاد
أقدم حضارة في المنطقة العربية
تعد الحضارة السومرية أقدم حضارة في المنطقة العربية، وهنا نقصد حضارة مكتملة الأركان، وتعود أصولها إلى 6000 قبل الميلاد، وهي حضارة نشأت في حوض نهري دجلة والفرات وهي بلاد الرافدين "العراق حاليًا". وهي واحدة من أهم الحضارات التي قامت على أرض عربية إن لم تكن الأهم، وفيما يلي تفصيل لسبب هذه الأهمية ووقوف على أبرز ما تميزت به.
أهمية الحضارة السومرية
تنبع أهمية الحضارة السومرية من كونها أقدم الحضارات البشرية (6000 قبل الميلاد) التي اتفق عليها من قِبل العلماء والباحثين في مجال الآثار وتاريخ الأرض، من هنا تعد الحضارة السومرية هي شعلة انطلاقة الحضارات العالم كله، ويعود فضل ما تميزت به الحضارات اللاحقة من علوم وآداب وغيرها لمساهماتها (الحضارة السومرية) حيث تعد إنجازاتها الوتد المتين الذي اتكأت عليه الأمم لاحقًا.
إنجازات الحضارة السومرية
هناك العديد من الإنجازات التي تميزت بها الحضارة السومرية وكانت لها فيها أسبقية بلا شك، ومن هذه الإنجازات:
الزراعة
لعل نشأة الحضارة السومرية في حوض النهرين (دجلة والفرات) كان لها دور بارز في تفوق السومريين الزراعي، حيث كانت الزراعة أهم مصدر دخل للشعب في ذلك الوقت، علاوة على تميزهم في ابتكار أساليب جديدة في الزراعة والري مثل بناء السدود وحفر القنوات المائية لتسهيل عملية الري.
كما اكتشف السومريون كيفية جمع وتوجيه فيضان نهري دجلة والفرات، فيما ساعدهم في استغلال الطمي الغني الذي يحتوي عليه ثم استخدامه لسقي وتسميد حقولهم الزراعية. ومن أهم المحاصيل التي اشتهرت بها الحضارة السومرية العدس والشعير والسمسم والأشجار المثمرة بالإضافة إلى الذرة والقمح.
التجارة
مرة أخرى يلعب الموقع الاستراتيجي للحضارة السومرية دورًا مهمًا في تطور النشاط التجاري فيها، فنهرا دجلة والفرات بمثابة حلقة وصل بين بلاد الرافدين والعالم وهو ما حثّ السومريين على بناء السفن والموانئ لتسهيل عملية التجارة عندهم.
الصناعة
تميز السومريون بصناعة الخزف بالإضافة إلى العديد من الأدوات والآلات الأخرى التي كانت تساعدهم في ممارسة حياتهم اليومية، ومن أبرز الأدوات التي صنعوها وطورها الأدوات الزراعية نظرًا لحاجتهم الماسة إليها.
ويعود الفضل للسومريين باختراع عجلة الدوران الخاصة بصناعة الفخار حيث كانت سببًا مهمًا في زيادة إنتاجية الصناعة الفخارية لاحقًا، والتي كانت أساسًا في حياة السومريين اليومية.
الكتابة
يرجح العلماء أن الفضل في تطور الكتابة وانتشارها عبر الحضارات الأخرى يعود للسومريين، ذلك أنهم أول من ابتكر الرسوم التوضيحية التي تحولت لاحقًا إلى رموز ومنها إلى حروف وكلمات، إلا أن اهتمامهم انصب في تلك الفترة على تدوين معاملاتهم التجارية ولم يعتنوا كثيرًا بكتابة أدب خاص بهم ولعل كونهم مبتكري الكتابة بالأصل يشفع لهم قليلًا.
استخدم الكتاّب في سومر القصب المسنن لنقش الرموز في الطين الرطب، ثم يجففونه ليشكل ألواحًا، لاحقًا عُرف نظام الكتابة هذا باسم الكتابة المسمارية، ويؤكد علماء الآثار أهمية هذا الأمر بالنسبة للحضارات اللاحقة؛ إذ استخدم في جميع أنحاء الشرق الأوسط لمدة 2000 عام.
الفنون
أبدع السومريون العديد من اللوحات الدرامية التي تصور حيوانات خيالية مثل النسر برأس أسد، وقد كانوا أول من استخدم النحاس لهذا الشأن. وتمتلئ الآثار السومرية بالعديد من النقوش والرسومات التي تشير إلى الجانب الفني الإبداعي عند السومريين فيما يخص هذا الأمر.
الرياضيات
في كتابهما التجارب العلمية الرائدة والاختراعات والاكتشافات من العالم القديم يشير روبرت إي وكارولين كريبس إلى أن السومريون كانوا أول من طور نظام ترقيم رسمي يعتمد على وحدات من 60، فيما كان البشر البدائيون يحسبون بأساليب بدائية مثل رسم شقوق في العظام أو على الأحجار.
في البداية استخدم السومريون القصب لتتبع الوحدات ولكن مع تطور الكتابة المسمارية استخدموا علامات رأسية على الألواح الطينية. كما ساعد نظامهم في إرساء الأساس للحسابات الرياضية للحضارات التي لحقت بهم.
العمارة
تميزت الحضارة السومرية بالعمارة، وتحديدًا الأساسيات الأولى اللازمة للعمارة، فقد ابتكر السومريون قوالب لصنع الطوب من الطين وبهذا استطاعوا إنشاء مدن كبيرة حتى ولو لم تكن على درجة عالية من المتانة إلا أن هذا الابتكار الذي لجؤوا إليه سهل لاحقًا على العديد من الأمم مهمة البناء؛ إذ بنوا البيوت وشيدوا القصور والأبراج بطرق مبتكرة، ومن أمثلة ذلك هيكل ناتاو في مدينة أور. وما تزال فكرة القوالب اللازمة لتشكيل الطوب قائمة حتى يومنا الحاضر.
علم الفلك
برع السومريون بعلم الفلك كثيرًا وحققوا تقدمًا واضحًا حوله فقد أنشؤوا إلى جانب البابليين والآشوريين نظام الأبراج، وتتبعوا حركات الكواكب، وسجلوا الكسوف والأحداث السماوية الأخرى على ألواح طينية. وتعد سجلاتهم الفلكية أقدم السجلات المعروفة، حيث يعود تاريخها إلى الألفية الثانية قبل الميلاد. ومن الجدير بالذكر أن البابليين طوروا نموذجًا رياضيًا للتنبؤ بحركات المشتري، مما يدل على فهمهم العميق للأجرام السماوية.
تعود أصول الحضارة الفرعونية للعام 4000 قبل الميلاد وهي حضارة عظيمة نشأت في مصر على ضفاف نهر النيل
أقدم الحضارات في المنطقة العربية
رغم أن إجماع علماء الآثار يشير إلى أن أقدم الحضارات في المنطقة العربية هي الحضارة السومرية، إلا أن هناك العديد من الحضارات قامت داخل حدود الوطن العربي منذ قديم الأزل نذكر منها:
الحضارة الكنعانية
تعود آثارها إلى 10000 عام قبل الميلاد، نشأت في أريحا في فلسطين بالقرب من نهر الأردن التي تعد أقدم مدينة في التاريخ حسب تصنيف اليونسكو، وسكانها هم الكنعانيون وهم سكان فلسطين الأصليون.
حضارة المقر
وهي واحدة من أقدم الحضارات التي قامت في المنطقة العربية، اتضح إن أصولها تعود لـ 9000 عام قبل الميلاد. تقع حضارة المقر في شبه الجزيرة العربية "السعودية" وهي واحدة من أهم الاكتشافات الأثرية في العالم.
الحضارة الفرعونية
تعود أصول الحضارة الفرعونية للعام 4000 قبل الميلاد وهي حضارة عظيمة نشأت في مصر على ضفاف نهر النيل، وقد تركت الحضارة الفرعونية آثارًا خالدة في مصر كالأهرامات وأبو الهول وغيرها من المعابد والمقابر الفرعونية التي ما تزال إلى الآن مبعثًا للدهشة بما تحويه من أسرار ورموز على جدرانها، وتعد مقبرة توت عنخ أمون أحد أهم الآثار الفرعونية التي اكتشفت في عشرينيات القرن الـ20.
الحضارة الفينيقية
تعود أصولها لـ 4000 قبل الميلاد، مقرها الأصلي في صيدا "لبنان"، وقد سكنها الفينيقيون وأقاموا فيها حضارة متميزة ما زالت آثارها شاهدة لها حتى يومنا الحاضر، وقد عُرف عنهم أنهم كانوا أول من استخدم صدف الموركس في الصباغة.
وكما لكل شمس أفول، لكل أمة أجل محتوم لا يستأخره أحد ولا يستقدمه كما كان مع الحضارة السومرية العريقة والتي كان من الصعب انهيارها تحت وطأة كل ما حوت من ابتكار وتقدم، إلا أنها أرهقتها الخلافات الداخلية والنزاعات المستمرة والاضطرابات التي أدت في النهاية إلى استيلاء
العيلاميين على أرض تلك الحضارة ومن بعدهم البابليون، ثم رحلت مخلفة وراءها إرثًا خالدًا لقرون عديدة سابقة وتالية.
