1. قول

متى يخرج بشار الأسد من لا وعي السوريين؟

6 يناير 2025
مسيرة لمؤيدي بشار الأسد (منصة إكس)
مالك ونوسمالك ونوس

تُصاب بالدهشة والاستغراب من الخطاب الذي ما زال يستخدمه بعض مؤيدي النظام السابق، والذي يُبيّن أنهم إما لم يخرجوا بعد من عباءة الرئيس المخلوع بشار الأسد، أو أنهم لم يُخرجوه من رؤوسهم. ويستوقفك استمرارهم في استخدام كلمة "معارض" أو "معارضة" عند الإشارة إلى أشخاص معارضين للنظام السابق في محيطهم، أو حتى عند الإشارة إلى الحكومة الجديدة ورموزها.

وإذا كان هذا حال بعض الأفراد، فإن حال بعض الفئات التي تداعت لتشكيل هيئات عمل جماعي ليس أفضل بكثير. ومن هنا تظهر مدى الحاجة إلى مجالٍ للحوار والعمل على الأرض بين الناس، علاوة على سعي السلطة الجديدة برموزها الحكومية والقيادية إلى المسارعة في إحداث واقع جديد يُساهم في القطع مع رواسب النظام القديم.

لدى التمعّن في هذه المقدمة وفي بقية فقرات البيان، نجد مقدارًا كبيرًا من المكر والمراوغة يكمن خلف صياغته وإخراجه على تلك الدرجة من الإنكار للثورة التي أسقطت رمز "الاستبداد والطغيان"

وإذا كان هذا يلاحظ على عدد من أتباع النظام السابق أو حزبه المنحل، فإن الورطة تكمن لدى هيئات كانت تابعة له، وخصوصًا اتحاد كُتّاب النظام، الذي فقد وظيفته في الدفاع عن حقوق الكُتّاب، وصار بوقًا للتطبيل للنظام. ومع تغوّل الأسد واستبداده في البلاد، تحوَّل هذا الاتحاد إلى مؤسسةٍ لتدجين الكُتّاب، خصوصًا الشباب منهم، وإدخال عنصر الانتهازية في منظومة تفكيرهم عبر تأميلهم بنشر ما يكتبون، وتحويل اهتماماتهم ومهماتهم إلى تقديس الرئيس.

وفي مرحلة متقدمة، أصبحوا يتجسسون على غيرهم من الكُتّاب الذين رفضوا التدجين، وأعلنوا صراحةً وقوفهم إلى جانب أبناء شعبهم ونضالهم من أجل التغيير وإسقاط الدكتاتورية.

وظهرت تلك الورطة عندما تداعى عددٌ من الكُتّاب المنضوين تحت جناح الاتحاد المذكور في طرطوس، وقرروا نشر مشروع بيان ربما للتبرؤ من النظام، إلا أن بيانهم فضح استمرار حضور الأسد في طريقة تفكيرهم، وبيَّن أنهم لم يستطيعوا التخلص منه. كما أنه كشف عدم جديتهم في التحول عن الأسد، عندما تبنَّوا خطابًا لم يتصالح مع الثورة التي خلعت الدكتاتور الهارب.

وفي هذا السياق، تقول مقدمة مشروع البيان: "لقد شهد وطننا الحبيب سوريا حدثًا تاريخيًا تجسّد بسقوط منظومة الاستبداد والطغيان، التي دمّرت مقدرات الوطن، وكبحت نموه وتطوره، وشوّهت الإنسان، وكلّ ما هو جميل في هذا الوطن، وألقت بثقلها على كاهل مجتمعنا وشعبنا السوري بكافة مكوناته وفئاته دون استثناء. لذا يُعدّ هذا الحدث العظيم انتصارًا لجميع السوريات والسوريين".

ولدى التمعّن في هذه المقدمة وفي بقية فقرات البيان، نجد مقدارًا كبيرًا من المكر والمراوغة يكمن خلف صياغته وإخراجه على تلك الدرجة من الإنكار للثورة التي أسقطت رمز "الاستبداد والطغيان". فبينما لم يحدد البيان ماهية "الحدث التاريخي" الذي "شهده وطننا الحبيب"، والذي أسقط المنظومة التي يتحدث عنها، يختم من دون أن يذكر كلمة "الثورة"، ومن دون أن يشير إلى فضل الثورة السورية في إسقاط ما يسميها "منظومة الاستبداد والطغيان".

ولم يفُت البيان التعالي على أبناء الشعب الذين تلقوا معجزة إسقاط النظام كما لم يفعل شعبٌ من قبل، فأغفل المباركة للشعب السوري على هذا الانتصار حين لم يذكره بالاسم، جريًا على عادة النظام البائد في التعالي على الشعب وأبنائه، وعدم ذكرهم في خطابه لأنه ينكر وجودهم، ويصنّفهم "جراثيم" و"فائضًا يجب التخلص منه" بإرسالهم إلى المعتقلات والمسالخ البشرية، وقتلهم وتهجيرهم لتحقيق "التجانس في المجتمع"، كما جاء على لسان الرئيس المخلوع بشار الأسد. وهذا ما يساعد في تفسير هذا الإنكار.

ولم تتوقف درجة الإنكار عند هذا الحد، بل كان لافتًا أن مشروع البيان تعمَّد بقصدٍ عدم الإتيان على ذكر أيٍّ من الأسدين، الأب والابن، اللذين تجسّد الاستبداد والطغيان بهما، وأدخلا البلاد في دوامة الحروب والتوترات والقمع والقتل والمجازر والتهجير والخراب، التي تغافَلَ عنها البيان وتشاطر في إهمالها.

ويعكس مشروع البيان هذا، ومن صاغه، ومن رضيَ أن يُدرَج اسمه ضمن المجموعة التي تشاركته على منصة فيسبوك، ومن استطابه وأبدى إعجابه به، وهم يتوزعون على محافظات أخرى، مدى تماهي هؤلاء جميعًا مع شبح آل الأسد ومنظومتهم الاستبدادية، وإنكارهم الثورة. كما أنه يشكل أيضًا ظاهرة خطيرة ما زالت تستحكم بجزء كبير من السوريين، وبمن يُقدّم نفسه كاتبًا، وهي عدم النية في القطع مع النظام القديم عن سبقِ إصرارٍ وترصُّد والخروج من عباءته، ربما بسبب الخوف المستحكم بهم، وربما خوفهم من عودة الأسد. هذا الخوف تخلّص منه كل من ناصر الثورة وفرح بانتصارها.

وتكمن خطورة عدم خروج بشار الأسد من لاوعي البعض في تشكيله عامل عطالة لهم ولكثيرين حولهم، يمنعهم من الانخراط في دور لبناء البلاد بالتشارك مع الحكم الجديد. كما يكبح لديهم حالات الفرح لخلعه، ما يجعلهم في حالٍ من القنوط التي تؤثر على أمزجتهم وأمزجة من يحيطون بهم في المنزل أو العمل. ولهذا تأثيرٌ نفسيٌّ مدمّر، يجعل المحيطين، ومتلقي خطابهم، في حال من الضياع، ويصبحون فريسة الأخبار المضللة التي تدفعهم إلى رفض الجديد، والعيش في وهم القديم، عبر التعايش مع شبح بشار الأسد ومنظومة حكمه وقمعه.

وإذا كان هذا الخطاب قد رُصد لدى مؤسسات مجتمع مدني ناشئة، فإنه لا يُعرف إذا ما كانت اتحادات نقابية أخرى على شاكلة اتحاد الكُتّاب أو نقابات عمالية ومهنية ستحذو حذوهم في تبني خطاب كهذا، كونها اتحادات من صنيعة النظام، جعل وظيفتها الدفاع عنه في مواجهة الشعب وليس العكس.

يعكس مشروع البيان هذا، ومن صاغه، ومن رضيَ أن يُدرَج اسمه ضمن المجموعة التي تشاركته على منصة فيسبوك، ومن استطابه وأبدى إعجابه به، وهم يتوزعون على محافظات أخرى، مدى تماهي هؤلاء جميعًا مع شبح آل الأسد ومنظومتهم الاستبدادية

يساعد خروج الأسد على تلك الشاكلة المهينة من سوريا في كسر صورته لدى أبناء الشعب، خصوصًا الموالين السابقين. فهو قد هرب وأخذ معه ثروة البلاد دون أن يوجه كلمة واحدة لهؤلاء الذين بذلوا حياتهم وحياة أبنائهم في سبيل بقائه في الحكم. كما يساعد في ذلك انتشار، وإعادة نشر، صوره المُخلة التي ظهر فيها بالثياب الداخلية، وفي أوضاع أخرى تُبين تفاهته ومدى انصرافه إلى العيش في واقعٍ يدير فيه ظهره إلى المصاعب المعيشية التي يعيشها الشعب وآلامه التي يعانيها.

كيف لا وهو من هندسَ هذا الفقر والتخلّف وتدمير الاقتصاد، وقتل مئات الآلاف، وتهجير الملايين من أبناء الشعب، حتى ينعم بتلك الشاكلة من طريقة العيش.

ويساعد أيضًا في كسر صورة الأسد وإخراجه من لاوعي كثيرين، تحسين الواقع المعيشي للسوريين، ومشاركة أبناء الشعب وممثليهم في صياغة القرار، والحرص على ضمان تعبير هذا القرار عن آمال الشعب وتطلعاته.

أما غير ذلك فسيُبقي الأمر مفتوحًا على توالد مواقف لمنفصلين عن الواقع، وأناس ينضوون ضمن طابور خامس يحنّ إلى حكم الأسد، ويشكل وجع رأس للحكم الجديد والمتطلعين إلى أزمنة تقطع مع أزمنة الأسد.

كلمات مفتاحية

بين مرايا الدم وأقلام الحياد.. خيانة المثقف العربي لقضاياه

لم تعد غزة مجرد جغرافيا محاصرة، بل غدت اختبارًا أخلاقيًا للإنسانية، ومرآة تعكس نفاق المجتمع الدولي وعجزه عن وقف المجازر المرتكبة على مرأى ومسمع من العالم.

رغم الخسائر والضغوط.. لماذا تتجنب مصر استهداف اليمن عسكريًا؟

تمثل العلاقات المصرية اليمنية حالة استثنائية شديدة التمايز والخصوصية، إذ يربط البلدين قائمة مطولة من القواسم المشتركة، المتنوعة بين الثقافي والسياسي والجغرافي

بعد نصف قرن... هل غادر لبنان "بوسطة الموت"؟

عشية الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، كان متحف "نابو"، في شمال لبنان، يجهّز مساحة في حديقته تتعدّى الزمان والمكان، خصّصها لحفظ بوسطة عين الرمانة، أو "بوسطة الموت"، كي "تكون الحرب عبرة وتحفيزًا لكتابة تاريخ حرب لبنان"

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة