محاكمة نتنياهو.. هل هي مجرّد ذرّ للرماد في العيون؟
12 ديسمبر 2024
وجّهت صحيفة هآرتس انتقادًا شديد اللهجة لأداء نتنياهو أمام المحكمة المركزية في تل أبيب، والتي بدأ في الإدلاء بأقواله أمامها فيما يخص التهم الثلاث التي تلاحقه، وعلى رأسها تهم تلقي الرشوة و"خيانة الأمانة" وسوء استغلال السلطة. وطال نقد هآرتس "ديمقراطية إسرائيل" معتبرة أنّ من يؤمن بها مجرّد "واهم"، فنتنياهو لا يعامل كمواطن عادي في محاكمته.
وكانت المحكمة المركزية في تل أبيب قد استمعت على مدار 6 ساعات لأقوال نتنياهو، الذي أظهر حسب هآرتس، وجوهًا متعددة كشفت تناقضه وميوله الدكتاتورية. حيث ارتفعت نبرة صوت نتنياهو أمام القضاة وهو يعبّر عن امتعاضه وغضبه من التهم الموجهة له، واصفًا تلك التهم أكثر من مرة بأنّها "سخيفة" أو "خيالية"، وفي بعض الأحيان وصفها بـ"المؤامرة" التي يقف خلف نسج خيوطها "اليسار ووسائل الإعلام المعادية ومؤيديها في الشرطة ومكتب المدعي العام".
وفي أوقات أخرى من أقواله، بدا رئيس الوزراء المتهم "لطيفًا وأبويا وهو يستعرض التطور التاريخي والسياسي للإعلام الإسرائيلي" حسب تعبير هآرتس.
أظهر نتنياهو في المحاكمة وجوهًا متعددة كشفت تناقضه وميوله الدكتاتورية
وترى المحللة السياسية لهآرتس داليا شندلين أن نتنياهو "استغلّ المحاكمة لتوظيف منبر القضاء لغرض مزدوج وليخاطب من خلاله المحكمة والشعب معا. وفي ظاهر الأمر كان يجيب عن أسئلة محاميه، عميت حداد، لبناء دفاعه القانوني ضد تهم الفساد الثلاث".
حيث زعم نتنياهو أنه "كرّس حياته للدولة ومع ذلك فإن النظام يلاحقني بشكل خاص، بتهم وهمية"، وهي سردية دأب نتنياهو على تكرارها منذ بدء التحقيقات، ووجد الفرصة ملائمة لترديدها من جديد أمام القضاة.
ولم يكتف نتنياهو بذلك بل استعاد في جلسة المحاكمة "ذكرياته مع الرؤساء الأميركيين، ممتدحًا والده وجده، ومستعرضًا تاريخ الإصلاحات الاقتصادية والإعلامية التحررية في إسرائيل، واضعًا نفسه دائمًا في صلب منعطفاتها الرئيسية" وفقًا لهآرتس.
وردًّا على سؤال حول "تخطيطه للاجتماعات وإدارة أعماله اليومية؟، ردّ نتنياهو بحديثه عن أدائه الخدمة العسكرية في وحدة كوماندوز النخبة المسماة سايريت ماتكال، ناسجًا رواية مطولة عن مدى اجتهاده في العمل، وكيف ضحى بوقت العائلة من أجل العمل العام".
وبدلًا من تفنيد اتهامه بتلقي الرشوة من أباطرة المال في إسرائيل بالأدلة ذات الصلة، انصرف نتنياهو إلى التحدث "عن مآدب العشاء التي جمعته مع زعماء أجانب"، وكان الهدف من ذلك حسب هآرتس "تسليط الضوء على جدول أعماله المزدحم، وتوجيه رسالة سياسية مفادها أنه رجل الدولة الأكثر حنكةً في إسرائيل".
استغلّ نتنياهو التهمة الخاصة بملف الإعلام لتقديم دروس حول الديمقراطية، بقوله إنّ ثمّة "سوء فهم أساسي للعلاقة بين السياسيين ووسائل الإعلام، فالسياسيون يعولون على وسائل الإعلام لنقل رسائلهم إلى الجمهور"، دافعًا بهذا التبرير تهمة محاولته تقديم بعض الامتيازات لصالح مواقع بعينها نظير حصوله على تغطية إيجابية لأنشطته وسياساته.
وعلى علاقة بهذه النقطة قال الصحفي في هآرتس جيدي فايتس "ن كل من يعتقد أن محاكمة نتنياهو جنائيًا دليل على قوة الديمقراطية الإسرائيلية هو واهم، فالسلطة هزمت القانون بالفعل" على حدّ تعبيره. مشيرًا إلى أنّ جهاز الشرطة الإسرائيلية تم الاستيلاء عليه من طرف مجرم هو وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، أما وزير العدل ياريف ليفين، فهو أداة للفوضى، ويراوده حلم الدكتاتورية".
ويذهب فايتس أبعد من ذلك عندما قال إن "حملة الانتقام التي شنها المتهم نتنياهو أنتجت ثمارًا مسمومة، إذ لن يحتاج رؤساء الحكومات الإسرائيلية في المستقبل إلى قوانين تشبه القانون الفرنسي لتمنحهم حصانةً من التحقيقات القضائية"، مستنتجًا من ذلك أنّ "مثول نتنياهو أمام المحكمة المركزية في تل أبيب هو مجرد ذرّ للرماد في العيون أو هو في أحسن الحالات نوعا من عزاء لا يُغني عن الحق شيئًا".
يشار إلى أنّ هذه المحاكمة التي تجرى في غرفة محصنة تحت الأرض بلا نوافد، تعد أول محاكمة من نوعها لرئيس حكومة إسرائيلي وهو على رأس السلطة، ويشرف عليها 3 قضاة.