1. ثقافة
  2. أدب

مدائح الاغتراب والمنفى وما شابهها من أكاذيب

16 يونيو 2017
علي الكامل/تونس
علي مصباحعلي مصباح

كثيرًا ما يُطرح علي السؤال نفسه، من طرف تونسيين وعرب، ومن طرف أوروبيين أيضًا: كيف تعيش وضعك كمغترب؟ أو كمقيم في المنفى؟ ومع مرور الوقت صرت عارفًا بما ينتظره مني أولئك الذين يطرحون هذا السؤال. أن أحدثهم عن معاناة المغترب وعن إحساسه بالاغتراب، وعن التمزق بين ثقافتين وحضارتين وربما هويتين. أي أن أزوّد فضولهم، وأحيانًا آراءهم المسبقة باستعراض "إشكاليات" مقلقة، أو محزنة، لأن هناك ولعًا بـ"الإشكال" و"الإشكاليات" قد غدا سائدًا، وهناك عدد كبير من الناس الذين  أصبحوا لا يتغذون إلا من الإشكاليات، يبحثون عنها في كل موضع، وإن لم يجدوها ابتكروها من فنتازيتهم المولعة باستعراض اللمقلِقات والمفزِعات، والمرهِقات، والمواضيع "الكبرى" عمومًا.

لستُ منفيًّا، فقط لمجرد أنني اخترت طوعاً أن أقيم في بلاد غير بلادي الأصلية

بينما صنف ثان ينتظر أن أدلق أمامه كل لعاب حنين المغترب، وأن أطرّز له من تلك المادة "اللُعابية"، إن سمحتم لي بهذا الاشتقاق، صورًا "إيديليّة"، وأطرح أمامه حشدًا من فوتوغرافيّات البطاقات البريدية، مع سجاجيد قيروانيّة وبربرية، وتحفًا من الفخّار والسيراميك: صورة عن الجنة المفقودة التي يتفنن خيال كل من "المغترب" والسائح الأوروبي - صيّاد الإكزوتيك - في نسجها بخيوط برّاقة من أكاذيب زاهية الألوان.

اقرأ/ي أيضًا: المنفى في صمته

كلا، لست منفيًّا، فقط لمجرد أنني اخترت طوعاً أن أقيم في بلاد غير بلادي الأصلية، لأسباب شخصية، وما من شيء هناك كان أو ما زال يمنعني من التردد على موطني الأصلي والإقامة به لأشهر متواصلة، وبصفة دورية منتظمة أيضًا. وبذلك فما من طابع درامي تراجيدي هناك لديّ، كي أستطيع أن أمنحه لهواة الدراما والمأساويات الإنسانية - والإشكاليات.

كما أنني لا أرى في نفسي مغتربًا، لمجرد كوني اتخذت مكان إقامة لي في بلاد أجنبية. فللاغتراب في نظري معنى آخر أعمق وأدق، وربما أكثر تعقيدًا.

وأريد أن أؤكد للجميع بأنني أصبحت أكره الياسمين منذ أن تحول إلى أغنية يترنم بها الرومانسيون في البداية، ثم باعة الرومانسية الثورية الكاذبة فيما بعد. كما أنني لا أحنّ إلى حرقوص، ولا أعراس بالجحفة، ولا إلى عجاجات بخور وضرب دفوف وعواء مزامير. (هل هذا هو الاغتراب، وأنا لا أدري؟ إذن فأنا لست مغتربًا طالما ظللت لا أحس به كذلك).

بالنهاية، لا يسعني سوى أن أعتذر بلطف لكل من ينتظر مني موضوعا به مشوِّقات درامية ما، وكل من يتمنى لو أنني أمده بصور بطاقات بريدية مخضّبة بالحنين - منقّعة في لعاب الأحاسيس المفتعلة الكاذبة. مع التأكيد، وليس تكرارًا، على أنني أصبحت أكره الياسمين منذ أن تحول إلى أغنية ترنم بها الرومانسيون في البداية، ثم باعة الرومانسية الثورية الكاذبة فيما بعد. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

عزمي بشارة في كتاب حواريّ.. في نفي المنفى

سي محند أومحند... عذاب يشابه المنفى

كلمات مفتاحية

محمد الماغوط في ذكراه الـ19: خائف لا يهدأ

لقد أدخل الماغوط أسلوبًا جديدًا في الكتابة، متنقلاً بين الإيقاع الداخلي للكلمات والصور الشعرية، ليعكس بهما حالة الفوضى والتمرد على الواقع

أكثر من هوية وأبعد من أزمة.. صراعٌ لا يُحسم في "دار خولة"



تسلط رواية "دار خولة" الضوء على أزمة المثقف العربي، وتحديدًا المرأة المثقفة، في سياق سياسي واجتماعي مفكك ومتسارع

قصة الرواية: من عرش الأدب إلى هامش الشاشة

من المحتمل أن تصبح قراءة الروايات هواية نخبوية، أقرب إلى حضور حفلة موسيقى كلاسيكية أو عرض باليه

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة