معارك الحسم في السودان بين الجيش والدعم السريع.. فاتورة إنسانية باهظة
21 ابريل 2025
تواصل قوات الدعم السريع شنّ هجماتها على مدينتي الفاشر وأم درمان، في ما يبدو أنه ردٌّ على الخسائر الأخيرة التي تكبّدتها في الخرطوم.
وقد أسفر القصف المدفعي المكثّف على الفاشر عن مقتل 33 مدنيًا وإصابة العشرات، بحسب ما أفادت به تنسيقية لجان مقاومة الفاشر. أما الهجمات الانتقامية على أم درمان، والتي تتواصل منذ نحو شهر، فقد أوقعت أكثر من 170 قتيلًا، وأجبرت آلاف السكان على إخلاء مناطق كاملة.
الهجوم على الفاشر
وفي بيان لها، اتهمت الفرقة السادسة مشاة في الجيش السوداني قوات الدعم السريع بتنفيذ قصفٍ عشوائي على الفاشر، باستخدام مدافع من عياري 120 و82، بإجمالي 300 قذيفة منذ يوم الأحد.
وأشار البيان إلى أن القوات المتمركزة في المدينة "تمكنت من صد هجوم واسع النطاق"، وألحقت خسائر كبيرة بصفوف المهاجمين، بما في ذلك تدمير آليات عسكرية والاستيلاء على صناديق أسلحة وذخائر في أحد المباني بالمحور الجنوبي الشرقي للمدينة. كما أعلن الجيش أسر أربعة عناصر من قوات الدعم السريع خلال العملية.
تخطط قوات الدعم السريع لإقامة مشروع انفصالي في إقليم دارفور بعد سيطرتها على الفاشر
قوات الدعم السريع تواصل هجماتها وتثير مخاوف من مخطط انفصالي في دارفور
يُشار إلى أن قوات الدعم السريع سيطرت مؤخرًا على مخيم زمزم للنازحين المتاخم لمدينة الفاشر، في خطوة تُفهم ضمن سياق مخطط أوسع لاستعادة السيطرة على الفاشر، التي تُعد آخر عاصمة إقليمية لا تزال تحت سيطرة الجيش في دارفور. ويرى مراقبون أن السيطرة على الفاشر قد تمهد الطريق أمام قوات الدعم السريع لإعلان حكومة موازية، في إطار توجه انفصالي محتمل في مناطق نفوذها.
موجات نزوح ومعاناة متفاقمة
أدت المعارك حول الفاشر إلى موجة نزوح جماعية، حيث قدرت الأمم المتحدة عدد النازحين من مخيمات زمزم وأبو شوك وغيرها بنحو 400 إلى 450 ألف شخص، توزّعوا بين منطقة طويلة والمناطق المحيطة بجبل مرة، فيما توجه بعضهم إلى مناطق أبعد غرب شمال دارفور.
وفي بيان له، قال الجيش السوداني إنّ النازحين من مخيم زمزم يعانون من أوضاع إنسانية بالغة السوء، حيث تعرّضوا للجوع والعطش وسوء المعاملة، بما في ذلك الضرب والانتهاكات الجسدية. وأضافت الفرقة السادسة مشاة أنّ قوات الدعم السريع ارتكبت حالات اغتصاب للفتيات وأساءت معاملة كبار السن.
من جهتها، أفادت منظمة "أطباء بلا حدود" بأنّ فرقها العاملة في شمال دارفور استقبلت أكثر من 25 ألف نازح فرّوا من مناطق القتال الأخيرة.
تحذيرات دولية من كارثة وشيكة
وفي تعليقها على الوضع، وصفت المنسقة الأممية للشؤون الإنسانية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، الهجمات على المدنيين والعاملين الإنسانيين بأنها "انتهاكات غير مقبولة"، مؤكدة أنّ "المدنيين لا ينبغي أن يكونوا أهدافًا، ولا يجب فرض النزوح كشرط للحصول على المساعدات".
وأضافت أن موجات النزوح من المناطق التي تحتوي على بنية تحتية إنسانية "تُقوّض بشدة قدرة المنظمات على تلبية الحاجات المتزايدة"، محذرة من "مخاطر تفشي الأوبئة وسوء التغذية والمجاعة".
وتزامنًا مع الذكرى الثانية لاندلاع الحرب، كشفت المنظمة الدولية للهجرة عن نزوح أكثر من 11.3 مليون شخص داخل السودان وخارجه، بينهم نحو 8.6 مليون نازح داخلي، و4 ملايين عبروا إلى دول الجوار. وتوقعت المنظمة موجة نزوح جديدة تشمل قرابة مليوني شخص نحو الخرطوم خلال الأشهر القادمة.
تصعيد انتقامي في أم درمان
وفي العاصمة الخرطوم، تشن قوات الدعم السريع هجمات متواصلة على مدينة أم درمان منذ قرابة شهر، في ما يبدو أنه ردٌّ على طردها من معظم مناطق العاصمة. وقد تسببت هذه الهجمات في إخلاء "مناطق الجموعية" بالريف الجنوبي لأم درمان، ووفق مصادر رسمية، أسفرت الغارات عن مقتل 170 شخصًا وإصابة مئات آخرين.
في ظلّ تردّي الخدمات ودمار الاقتصاد، فإن الوضع الإنساني في السودان يمثّل تحديًا كبيرًا، يتطلّب استجابةً إنسانية كبيرة، عبر المساعدات والتمويلات، لمنع حدوث كارثة المجاعة والأوبئة.
وقد أكّد الناطق الرسمي باسم "مناطق الجموعية"، سيف الدين أحمد الشريف، في تصريح لموقع "الترا سودان"، أنّ "مناطق الجموعية أصبحت خالية تمامًا من السكان، بعدما قام شباب المنطقة بإجلائهم إلى أماكن آمنة، إثر تصاعد هجمات الدعم السريع على المدنيين". وأضاف أحمد الشريف أنّ "النداءات التي أطلقها المواطنون لإنقاذهم من الإبادة الجماعية التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع بحق سكان الريف الجنوبي، لم تجد آذانًا صاغية من أي جهة"، مؤكدًا أنّ "حقوق مواطني الجموعية لن تذهب هدرًا، وسنقتص لهم من الذين مارسوا ضدهم القتل والنهب والتهجير القسري"، على حدّ تعبيره.
يُذكر أن مجموعة "محامو الطوارئ" الحقوقية أدانت الهجمات التي استهدفت مناطق الجموعية، ودعت إلى "وقفها فورًا، وإنهاء عمليات القتل خارج نطاق القانون، والنهب، والتهجير القسري".
في غضون ذلك، أظهرت مقاطع متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي تقدّم الجيش السوداني في مناطق غربي أم درمان، وذلك بعد اندلاع معارك عنيفة يوم الأحد في "مناطق أم بدة" بين الجيش وقوات الدعم السريع. وقالت مصادر عسكرية إنّ الجيش يعمل حاليًا على "تطويق آخر معاقل الدعم السريع في الأجزاء الغربية والجنوبية من أم درمان، تمهيدًا لإعلان ولاية الخرطوم خالية من هذه القوات".