معركة الإصلاحات القضائية في إسرائيل.. عودة مبكرة قبل انتهاء الحرب
5 أغسطس 2024
في ظلّ ترقب الشارع الإسرائيلي للرد الإيراني المحتمل على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، في طهران؛ طالعتنا صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بافتتاحية تدق ناقوس الخطر من جديدٍ بشأن محاولة اليمين المتطرف الإسرائيلي الانقلاب على القضاء، محذّرةً هذه المرة من سعي وزير العدل، ياريف ليفين، مجددًا للانقلاب على السلطة القضائية، وإضعاف مكانة وصلاحيات المحاكم الإسرائيلية، مطالبةً الإسرائيليين بالانتباه لـ"عدالة" حكومةٍ يقودها بنيامين نتنياهو، ويدير قضاءها ليفين.
ولم تكتف "هآرتس" بذلك، بل ناشدت الإسرائيليين للخروج مرة أخرى ضد ياريف ليفين وموقفه من القضاء، مثلما قاموا بذلك أول مرة في 2023 عند إعلان نتنياهو عن إحداث ما وصفها بـ"إصلاحات" في الجهاز القضائي.
وتهدف خطة نتنياهو وليفين إلى تقويض صلاحيات المحكمة العليا والالتفاف على قراراتها والحد من صلاحيات السلطة القضائية، مقابل تعزيز مكانة وصلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية (الحكومة والكنيست).
وقالت "هآرتس" إن ليفين ابتعد عن الأنظار منذ بداية الحرب خوفًا من الرأي العام تجاه خططه التي قسمت الإسرائيليين وأضعفت إسرائيل كدولة، إلا أنه عاود الظهور بعد اقتحام متظاهرين برفقتهم أعضاء من الكنيست لقاعدتين عسكريتين اعتراضًا على اعتقال جنود إسرائيليين اتُهموا بالاعتداء جنسيًا على أسيرٍ فلسطيني في معتقل سدي تيمان سيئ الصيت.
ليفين ابتعد عن الأنظار منذ بداية الحرب خوفًا من الرأي العام تجاه خططه التي قسمت الإسرائيليين وأضعفت إسرائيل كدولة
وعبّر ليفين في تصريحه عن صدمته تجاه ما وصفه بالصور "القاسية" لاعتقال الجنود في سدي تيمان، قائلًا إنها "تليق بمجرمين خطرين"، ولام القضاء على ذلك.
كما صاحبت جهوده المتجددة للتأثير على القضاء الإسرائيلي، حسب "هآرتس"، عرقلة عملية تعيين قضاةٍ جدد، والدفاع علنًا عن تعديلاته "البغيضة" السابقة، وفق توصيف "هآرتس"، معلنًا أنه: "لا شيء سيحيدني عن طريقي".
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فقد أثّرت تصريحات ليفين الجديدة بشكلٍ مباشر على تحيز الشرطة في تقييم ما يعد خطرًا على "الدولة"، وفقًا لما يناسب مصالح الحكومة الحالية.
وفي هذا السياق، أشارت إلى ازدواجية معاملة الشرطة لإسرائيليين اعتُقلوا لارتدائهم قمصان مناهضة للحكومة في نزهةٍ لحديقة عامة، مقارنةً بالمعاملة المتسامحة التي قابلت "المخربّين" الذي اقتحموا منشآتٍ عسكرية.
ويشار إلى أنّ المحكمة العليا الإسرائيلية قضت، في وقتٍ سابق، بإلغاء قانونٍ أقره الكنيست في تموز/يوليو يلغي بند المعقولية، وهو مشروع قانون رئيسي تقدمت به حكومة بنيامين نتنياهو كجزء من التعديلات القضائية، في قرار هو سابقة على مستوى دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وشارك في التصويت على القرار، كافة قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية، ودعمه 8 قضاة من أصل 15 قاضيًا، في بند قانوني كان سيجرد المحكمة العليا الإسرائيلية من سلطتها في اعتبار قرارات الحكومة غير معقولة، وصدر القرار المُفصّل للمحكمة في 743 صفحة.
كما قضت أغلبية قضاة المحكمة، أي 12 من أصل 15، بأن المحكمة العليا لديها سلطة ممارسة المراجعة القضائية للقوانين الأساسية الإسرائيلية، التي تتمتع بوضع دستوري في الفقه الإسرائيلي والتدخل في الحالات الاستثنائية والمتطرفة التي يتدخل فيها الكنيست.
ويُعدّ قانون إلغاء معيار المعقولية حجر الزاوية في جهود حكومة بنيامين نتنياهو، ضمن خطة التعديلات القضائية. ويتعلق معيار المعقولية ببند يتطلب أن تكون الإجراءات الحكومية معقولة ومتناسبة، ويعمل كمعيار للتقييمات القانونية والمراجعات القضائية للقرارات الحكومية.
ما هو معيار المعقولية؟
هو مبدأ القانون العام الذي يسمح بالمراجعة القضائية ضد القرارات الإدارية الحكومية. ويجادل أنصار القانون بأنه أداة ذاتية للغاية للنشاط القضائي تسمح للمحكمة بالتأثير على سياسة الحكومة بناء على مواقفها الخاصة الخاصة. ويجادل النقاد، بمن فيهم النائب العام، بأن الأداة ضرورية لمكافحة الفساد ولضمان حماية الأفراد من القرارات الحكومية التعسفية والمتقلبة.
واستخدمت المحكمة الإسرائيلية العليا معيار المعقولية، على سبيل المثال، عندما قضت في كانون الثاني/يناير بأن قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتعيين رئيس حزب "شاس"، أرييه درعي، في منصبين وزاريين، الداخلية والصحة، على الرغم من إداناته الجنائية الثلاث بتهمة الرشوة والاحتيال الضريبي وخرق القانون، كانت "غير معقولة في أقصى الحدود"، مما أجبر نتنياهو على طرد درعي.
معيار المعقولية هو مبدأ القانون العام الذي يسمح بالمراجعة القضائية ضد القرارات الإدارية الحكومية
وبند المعقولية يسمع للمحكمة العليا في مراجعة قرارات المستوى التنفيذي، أي البيروقراطية في الوزارات الحكومية والسلطات المحلية، وكذلك مراجعة قرارات المسؤولين المنتخبين ومن يعينونهم.
انتقادات وخلاف
علّق وزير العدل الإسرائيلي، ياريف ليفين، على الحكم قائلًا: "إن قرار قضاة المحكمة العليا بنشر الحكم في زمن الحرب هو عكس روح الوحدة المطلوبة هذه الأيام لنجاح مقاتلينا على الجبهة"، وفق قوله.
وأضاف ليفين، الذي يُعدّ مهندس خطة التعديلات القضائية: "من خلال هذا الحكم، يأخذ القضاة في الواقع بين أيديهم جميع السلطات، التي من المفترض في النظام الديمقراطي أن تكون مقسمة بطريقة متوازنة بين السلطات الثلاث.. الحكم الذي لا مثيل له في أي ديمقراطية غربية، لن يثبط عزيمتنا. ومع استمرار الحملة على جبهات مختلفة، سنواصل التصرف بضبط النفس والمسؤولية"، بحسب تعبيره.
وعلق حزب "شاس"، قائلًا: "الحكم السابق لمحكمة العدل العليا الذي يرفض لأول مرة قانونًا أساسيا للكنيست، هو حدث مؤسف وصعب. مثل هذا الحكم في خضم حرب صعبة، حيث أصبح تماسك ووحدة الأمة أكثر أهمية من أي وقت مضى، يضعف المجهود الحربي ويؤدي إلى الإضرار بمكانة الكنيست وإيمان الجمهور بالنظام القضائي، ورد الشرخ الذي شهدناه في الوطن قبل 7 أكتوبر"، بحسب البيان.
وقال رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا: "من البديهي أن المحكمة العليا لا تملك صلاحية إلغاء القوانين الأساسية. والأمر الأكثر وضوحًا هو أننا لا نستطيع الانخراط في هذا طالما أن الحرب مستمرة"، بحسب وصفه.
وقال حزب "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو ردًا على ذلك، إن قرار المحكمة العليا: "يتعارض مع إرادة الشعب من أجل الوحدة، خاصة في زمن الحرب".
ووصف وزير المالية، زعيم "الحزب الصهيوني الديني" اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريش، حكم المحكمة العليا بأنه: "متطرف ومتحيز ويفتقر إلى السلطة"، مضيفًا أن: "العلم الأحمر يرفرف فوقه. المحكمة العليا تتصرف بشكل غير مسؤول تجاه المجتمع الإسرائيلي في وقت نحن جميعًا متحدون في الجبهة وفي الداخل من أجل النصر"، بحسب تعبيره.
ووصف وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الحكم بأنه: "حدث خطير ومناهض للديمقراطية"، واتهم القرار بتقويض جهود الحرب الإسرائيلية، وأضاف: "بينما يضحي مقاتلونا بأنفسهم من أجل شعب إسرائيل في غزة كل يوم، قرر قضاة المحكمة العليا إضعاف معنوياتهم وتقويضهم أولا وقبل كل شيء"، وفق قوله.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وزعيم المعارضة، يائير لابيد، إن: "قرار المحكمة العليا يختم عامًا صعبًا من الصراع الداخلي الذي مزقنا وأدى إلى أسوأ كارثة في تاريخنا. اليوم، قامت المحكمة العليا بأمانة بدورها في حماية مواطني إسرائيل، ونحن نمنحها دعمنا الكامل. إذا جددت الحكومة الإسرائيلية النزاع حول المحكمة العليا، فإنها لم تتعلم شيئًا. لم تتعلم أي شيء عن 7 أكتوبر، لم يتعلموا شيئًا من 87 يومًا من الحرب"، وفق وصفه.
ووصفت صحيفة "هآرتس"، قرار المحكمة العليا، بأنه: "الأهم على الإطلاق".
والخلاصة الأساسية من تصريحات قادة اليمين في دولة الاحتلال، بأن المعركة على التعديلات القضائية، سوف تحصل على جولة أخرى بعد الحرب.
حماية من الجرائم
وقال الصحفي الإسرائيلي يوسي فيرتر: "أعاد حكم المحكمة العليا، الذي صدر بأغلبية صوت واحد، صفة "الديمقراطية" إلى وصف دولة إسرائيل. لقد أزال من فوق رؤوس أفراد الخدمة العسكرية الإسرائيلية الذين يخاطرون بحياتهم في قطاع غزة والضفة الغربية، خطر الاعتقال والمحاكمة في أوروبا. كما وضعت في مكانها الصحيح قادة الانقلاب الحكومي الذين وجهوا ضربة قاتلة للاقتصاد والأمن والمكانة الدولية والتضامن الاجتماعي للدولة في 7 أكتوبر".
الخلاصة الأساسية من تصريحات قادة اليمين في دولة الاحتلال أن المعركة على التعديلات القضائية سوف تحصل على جولة أخرى بعد الحرب
ويشار باستمرار إلى أن المحكمة العليا هي "قبة حديدية قانونية لإسرائيل"، تمنع محاكمة جنود جيش الاحتلال في العالم، باعتبار إسرائيل دولة تمتلك المسارات القانونية، وقادرة على التحقيق في الجرائم التي يرتكبها الجنود، وفق التصور الإسرائيلي.
من جانبه، قال الصحفي الإسرائيلي أنشيل فيفر: "كما يظهر الحكم 8-7 [عدد القضاة ضد ومع القانون]، فإن المجتمع الإسرائيلي لا يزال منقسمًا إلى قسمين. ولن تغير الحرب ذلك بالسرعة التي يأملها البعض. وسوف يظل الإسرائيليون منقسمون بشدة بمجرد انتهاء الحرب"، وفق تعبيره.
وكانت خطة التعديلات القضائية، وما تبعها من تمرير بعض أجزاء الخطة، مثل إلغاء معيار المعقولية، واحدة من أكثر الخلافات استقطابًا في دولة الاحتلال، والتي ساهمت في تحقيق شرخ كبير، لم يتوقف مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولكنه تجمد بشكلٍ محدود، فيما تظهر كافة التصريحات الصادرة عن قادة اليمين، أن العودة إلى هذه النقاشات، لن يكون بعيدًا. وترى التقديرات الإسرائيلية، أن اليمين لن يعود إلى خطة التعديلات القضائية قريبًا، ولكن هذا لا يعني انتهاء الشرخ المجتمعي في دولة الاحتلال.