من المعابر إلى الحُفر.. العدوان الإسرائيلي يغير حركة العبور بين لبنان وسوريا
22 نوفمبر 2024
منذ شنِّ إسرائيل عدوانها الشامل على لبنان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أصبح سائق سيارة الأجرة، فادي سليقا، يكسب رزقه في منطقة حدودية بين لبنان وسوريا تعرَّضت للقصف من طائرات الاحتلال، ما خلَّف حفرتين، ينقل بينهما الركاب لمسافة لا تتجاوز الكيلومترين بعد أن وجد نفسه محاصرًا بينهما.
يصف سليقا، البالغ من العمر 58 عامًا، الوضع لوكالة "فرانس برس"، قائلًا: "علقت سيارتي بين الحفرتين. لا نتمكَّن من الوصول إلى لبنان أو العودة إلى سوريا. نحن مهدَّدون في أي لحظة بالتعرُّض للقصف"، موضحًا أنه يعمل وينام هنا بين الحفرتين.
سيارة سليقا تُعدّ من السيارات القليلة التي تقطعت بها السبل بين الحفرتين قرب معبر المصنع الحدودي في شرق لبنان. أصبحت هذه المنطقة مصدر رزق لسائقي "التوك توك" الذين ينقلون الراغبين في العبور بين جانبي الحدود، نظرًا لقدرتها على اجتياز الحفرتين بسهولة. حتى إن أحدهم أقام كشكًا مؤقتًا أسماه "استراحة الجورة"
لم يعمل سليقا لمدة 12 يومًا بعد أن تعطَّلت سيارته، ولم يستأنف عمله إلا بعد إحضاره ميكانيكيًا قام باستبدال محرك سيارته القديم بآخر جديد
يعمل سليقا بعيدًا عن عائلته، وقد أصبحت سيارته منزله ليلًا ومصدر رزقه نهارًا. على مقاعدها الخلفية، وضع غطاءً يخفف من برد المنطقة الحدودية الجرداء، وعلى مقعدها الأمامي ترك كيسًا من الخبز.
لم يعمل سليقا لمدة 12 يومًا بعد أن تعطَّلت سيارته، ولم يستأنف عمله إلا بعد إحضاره ميكانيكيًا قام باستبدال محرك سيارته القديم بآخر جديد. كانت الرحلة بين لبنان وسوريا تُكلِّف 100 دولار، لكن سليقا يقول إنه يتقاضى حاليًا مبلغًا يتراوح بين 10 و15 دولارًا لنقل المسافرين بين الحفرتين.
وخلال شهرين، قدَّرت السلطات اللبنانية عبور أكثر من 610 آلاف شخص من لبنان، غالبيتهم من اللاجئين السوريين إلى سوريا. ورغم أن حركة العبور أصبحت صعبة، فإن الكثيرين لا يزالون يتوافدون إلى المعبر مع حقائبهم ويعبرون الحفرتين الموحلتين اللتين يصل عمقهما إلى نحو عشرة أمتار، ويقارب عرضهما ثلاثين مترًا.
#عاجل | جيش الاحتلال يهدد باستهداف معبر المصنع الرابط بين لبنان وسوريا بذريعة استخدام حـ ـزب الله المعبر لأغراض عسكرية. pic.twitter.com/MHzzjoFdKi
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 3, 2024
على جانب الطريق، انهمك سائق سيارة الأجرة اللبناني، خالد الخطيب، البالغ من العمر 46 عامًا، في نزع الطين عن إطارات سيارته. ويقول لـ"فرانس برس"، أثناء فحص محرك سيارته: "كنت في سوريا حين قصفت طائرات الاحتلال المنطقة لأول مرة، فقررت إخراج سيارتي من الأراضي السورية وركنتها قبل الحفرة. ولاحقًا، حين حدثت الضربة الثانية، علقت بين الحفرتين".
ويضيف: "في السابق، كنت أعمل على سيارة الأجرة بين دمشق وبيروت، واليوم أصبحت أقودها بين الحفرتين". ويكشف الخطيب أنه لا يأخذ أجرًا من الركاب الذين يعانون ظروفًا صعبة، لأنه سبق أن اختبر تجربة النزوح من ضاحية بيروت الجنوبية، حيث كان يقيم، إلى مسقط رأسه في بلدة قريبة من الحدود.
وزير النقل اللبناني علي حمية قال إن الغارة الإسرائيلية التي وقعت قرب معبر المصنع أحدثت حفرة بعرض 4 أمتار على الجانب اللبناني.https://t.co/MdduAzaoFb
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 4, 2024
وفي كشك صغير، يمضي السائقون أوقات الفراغ، ويتناولون وجبات الفطور والقهوة الساخنة. يشرح محمد ياسين كيف نقل كشكه بعد الغارة الإسرائيلية من معبر المصنع الحدودي إلى جوار الحفرة، حيث وضع الكراسي البلاستيكية والطاولات، وبدأ بتوفير المناقيش صباحًا وساندويشات الفلافل ظهرًا، إلى جانب القهوة والشاي وعبوات المياه. وإضافة إلى الخدمات التي يقدمها للزبائن بشكل متواصل، يقول ياسين إنه "يحاول مساعدة المسافرين قدر المستطاع".
في المقابل، اختار بعض المسافرين اجتياز الحفرة الموحلة سيرًا على الأقدام، بعد أن غطوا أحذيتهم بأكياس بلاستيكية لتجنب التصاق الطين بها، خاصة بعد تساقط الأمطار في المنطقة. وعلى تلة صغيرة، ينادي أحد السائقين: "تاكسي إلى دمشق"، بينما تصل تباعًا عربات "التوك توك" تُقل مسافرين، وحافلة محمَّلة بالركاب والأمتعة.
على بُعد أمتار، وقفت عايدة عوض مبارك، وهي أم سورية لستة أولاد، تتفاوض مع سائق "توك توك "على أجرة قدرها دولارًا واحدًا. وفي طريقها إلى شرق لبنان للاطمئنان على أحد أبنائها الذي يقيم في بلدة تعرضت لغارات إسرائيلية، تقول المرأة البالغة من العمر 52 عامًا إنها عاطلة عن العمل، وأحيانًا لا تتمكن من دفع أجرة "التوك توك" أو السيارة بسبب وضعها المادي السيئ. لكنها تتدارك قائلة: "رؤية ابني غالية".