من بينها "مرصد جبل الشيخ".. هكذا احتلت إسرائيل أراض سورية جديدة
4 يناير 2025
أصيب الشاب ماهر الحسين خلال أولى المظاهرات التي خرج فيها سكان من قرى "حوض اليرموك"، ضد التوغل الإسرائيلي في "قرية معرية" بريف القنيطرة، ليكون أول مصاب برصاص الاحتلال في الداخل السوري في صورة تنتقل من فلسطين المحتلة إلى الداخل السوري لأول مرة منذ نشأة الكيان المحتل، ويقول الحسين لشبكة "الترا صوت": "وصلنا إلى معرية وبدأنا بالهتاف ورفع اللافتات ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبدأت قوات الاحتلال المتمركزة في ثكنة الجزيرة، بإطلاق الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين، أولى الرصاصات أصابتني في الساق اليمنى، والثانية في الساق اليسرى، لأخضع لثلاث عمليات لمواجهة قطع الشرايين وتفتت العظم".
الشاب الثلاثيني يقول أيضًا: "هناك احتمال أن تسبب الإصابة عاهة مستدامة، لكن ذلك لن يمنع من مشاركتي في أي مظاهرة ضد الاحتلال الإسرائيلي حال تمكني من ذلك، فلا يوجد حل لدى السكان إلا بخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من المنطقة والنقاط القريبة وتأمين العمل في وادي حوض اليرموك من أي اعتداء إسرائيلي"، مضيفًا: "كلفة العمليات التي خضعت لها هي 60 مليون ليرة سورية، لم يدفع منها أي شيء، وما تزال قيمة هذه الأموال مسجلة علي لدى الطبيب المعالج، وإلى هذه اللحظة لم يتم التواصل معي من قبل أي طرف حكومي أو منظمات إلى الآن".
على مقربة من مكان إصابة الحسين، تتواجد نقطة لقوات حفظ السلام المعروفة باسم "يوندوف"، والتي لم تتدخل لحماية المتظاهرين أو منع التوغل الإسرائيلي وإسقاط اتفاق "فض الاشتباك"، المعمول به منذ العام 1974، ويؤكد سكان المنطقة أن عناصر "يوندوف"، لا يغادرون نقاطهم، وبمحاولة الاقتراب من النقطة المتواجدة بالقرب من قرية "جملة"، وأخذ أي معلومة منهم حول الأمر، يرد أحد العناصر من فتحة صغيرة في الباب لا تظهر سوى عينيه، بأنه غير مخول لهم بالحديث لوسائل الإعلام، ويرفض بشكل قاطع الاعتراف بوجود قوات من الجيش الإسرائيلي في أي من القرى، على الرغم من التواجد المعلن لقوات من لواء "جولاني"، في نقطة تعرف باسم "ثكنة الجزيرة"، ولا تبعد إلا مسافة مئات الأمتار عن نقطة "يوندوف"، وهذه النقطة هي آخر التلال التي كانت تنتشر فيها قوات النظام السابق في حوض اليرموك، قبل انسحابه من الجنوب، ومنها تتحرك دوريات الاحتلال إلى داخل قرى مثل "معرية - جملة"، ليلًا لتفتيش كل ما يمكن، بما في ذلك "حظائر تربية المواشي"، والحجة "البحث عن السلاح".
يقول ماهر الحسين لـ"الترا صوت" إن قوات الاحتلال أطلقت الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين في قرية معرية، مما أسفر عن إصابته برصاصتين في ساقيه اليسرى واليمنى
يقول مهند العلي، الذي اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدة أيام من بلدة كويا في حوض اليرموك: "كنا نعمل في أراض زراعية بالقرب من نقطة الجزيرة، مع العلم إن أهالي قرية معرية، الملاصقة لنا مازالوا ممنوعين من الدخول إلى أراضيهم، وخلال تنفيذ أعمال الزراعة في الأرض قدمت دورية إسرائيلية فيها عدد من جنود الاحتلال"، وتابع مضيفًا في حديثه لشبكة "الترا صوت" أنهم "طلبوا أول الأمر معرفة من أصحاب الأرض والمسؤولين عن العمل، وحين قدمنا أنفسنا أنا وقريبي رائد العلي، طلبوا مغادرة العمال خلال دقائق للمنطقة وأبقوا علينا، ثم تم اقتيادنا إلى نقطة الجزيرة وقبل دخولها قاموا بالطلب منا أن نتعرى بقصد التفتيش، وبعد ذلك دخلنا إلى داخل النقطة ونحن نسير أمامهم".
ويتابع حديثه مشيرًا إلى أنه "بعد التحقيق معنا واعتبارنا مجرمين خطرين ويجب أن تتم معاملة سكان الأراضي السورية كمعاملة سكان جنوب لبنان، طلبوا منا أن نبلغ سكان القرية بمنعهم من الدخول إلى الأراضي الزراعية بالقرب من الشريط الفاصل إلا بعد المرور بالنقطة وتسليم الهويات الشخصية لكل من سيدخل هذه الأراضي، وعلى أن يستعيدها عند انتهاء المهلة المسموحة بها، والتي تحدد بعدة ساعات، وهذا ما يهدد سلامة الأفراد والأعمال الزراعية".
رائد العلي، والذي تقاسم مع ابنه الاعتقال المؤقت لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي، يقول لشبكة "التر صوت" إنه: "خلال الاعتقال تم اتهامنا بأن البيوت البلاستيكية الأرضية التي نغطي فيها المزروعات لمدة معينة، هي أنفاق وأننا خطرون بالنسبة لدولة إسرائيل، وطلب منا ألا نقترب من الأراضي إلا بموافقتهم وإطلاعهم على تعداد العمال وأسمائهم، وأن يكون كامل الأمر تحت إشرافهم على الرغم من أننا نعمل ضمن أراض سورية، إلا أن ضباط قوات الاحتلال الذين يتكلمون بالعربية أكدوا أن الواقع تغير وأن المنطقة التي نعيش فيها باتت تحت سيطرتهم، وممنوع على السكان تهديد دولة إسرائيل بأي نشاط، بحسب تعبيرهم".
احتلال مباشر
يعيش علي في بلدة حضر، ذات الغالبية الدرزية والملاصقة لشريط الفصل في الخارطة المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، والتي تخضع اليوم لاحتلال مباشر من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ويقول في حديثه لشبكة "الترا صوت": "نتعرض للتفتيش من قبل الدوريات الإسرائيلية، حيث قاموا بتفتيش العديد من المنازل والنقاط التي كانت تنتشر فيها قوات الدفاع الشعبي التي تشكلت من أبناء البلدة للدفاع عنها خلال سنوات الحرب، كما فتشوا مزارع ونقاط كانت إسرائيل تشتبه بوجود حزب الله فيها"، ويضيف موضحًا أنه "على الرغم من ذلك لم يتم اعتقال أي شخص من البلدة، إلا أن ضباط من جيش الاحتلال أبلغوا شخصيات دينية ومجتمعية أن المتعاملين السابقين مع حزب الله وإيران من سكان البلدة سيبقون تحت المراقبة، وإن كان نشاطهم السابق سيمر بدون عقاب فذاك لأنه لم يشكل تهديدًا حقيقيًا على إسرائيل حتى ساعة سقوط النظام".
يقول علي لـ"الترا صوت" إن "ضباط من جيش الاحتلال أبلغوا شخصيات دينية ومجتمعية أن المتعاملين السابقين مع حزب الله وإيران من سكان البلدة سيبقون تحت المراقبة"
الشاب الثلاثيني الذي كان قد عايش عددًا كبيرًا من الأحداث التي شهدتها حضر، يكشف خلال حديثه لشبكة "الترا صوت" قائلًا: "أول الأطراف التي لعبت على وتر الخوف من المذابح الطائفية في حضر وبقية المناطق الدرزية في جبل الشيخ كان حزب الله، فتدخل بشكل مباشر لتجنيد السكان، وكان القيادي الدرزي سمير القنطار قد زار مناطق جبل الشيخ أكثر من مرة لتجنيد الشبان والعمل على تشكيل ما كان يسميه بـ"المقاومة السورية"، وإبان تصفيته بدأ عدد من المتواجدين في حضر بتلقي اتصالات هاتفية من أرقام سورية تبيّن لاحقًا أنها من ضباط من الجيش الإسرائيلي، وهددتهم في حال الاستمرار في التعاون مع حزب الله أو إيران". وتابع مضيفًا أنه "حين بدأ التنسيق مع قوات النظام (السابق) بشكل عال بهدف حماية البلدة من الهجمات، كان مشايخ الطائفة الدرزية يصرون على اتخاذ مواقف الدفاع وعدم العمل في أي معركة ذات طابع هجومي على أي منطقة قريبة من حضر، والهدف كان الحفاظ على حسن الجوار، وألا يكون ثمة ثارات في مرحلة ما بعد الحرب، التي كان سقوط الأسد من أحد سيناريوهات انتهاءها".
ويشير علي إلى أنه "مع بدء انسحاب قوات النظام، وما أثاره الأمر من صدمة لدى السكان والمخاوف من إمكانية تحقق رواية المذابح الطائفية التي كان الأسد ومخابراته يروجان لها، تحركت مجموعة من الشبان لحمل السلاح الفردي والانتشار في محيط البلدات الدرزية، إلا أن الصدمة الكبرى كانت ببدء التحرك الإسرائيلي والدخول إلى مناطق واسعة من ريف دمشق والقنطيرة الشمالي، وهنا قرر جميع من حمل السلاح الانسحاب إلى منازلهم، وتاليًا تسليم الأسلحة في حملات التفتيش، إذ لا يمكن للعين أن تقاوم المخرز خاصة في ظل العاصفة الفوضوية التي تضرب سوريا، فما حدث لم يكن يرد في خاطر أي سوري مهما كان متفائلًا بسقوط النظام، ولم يكن ثمة من يتوقع هذا السيناريو".
تزامنًا مع سقوط الأسد
بدأت إسرائيل تحركها الواسع في الداخل السوري عند الساعة الثالثة فجرًا، يوم 8 كانون الأول/ديسمبر الماضي، إذ كثفت من طلعات مقاتلاتها ودخلت الأجواء السورية للمرة الأولى منذ العام 1973، لتستهدف عددًا كبيرًا من النقاط التابعة لقوات النظام السابق التي أنهكت خلال سنوات الحرب الطويلة التي خاضها من أجل البقاء في السلطة، وتشير الغارات الأولى التي استهدفت مقارًا في الفرقة الرابعة وفرع المعلومات التي تتبع لمخابرات النظام السابق إلى أن إسرائيل تريد أن تخفي أو تطمس معلومات ما، أو على الأقل تمنع الإدارة الجديدة للبلاد من الوصول إلى المعلومات التي يمتلكها النظام السابق، ولا يمكن تخمين ماهية هذه المعلومات على وجه التحديد، إذ تنقسم التوقعات بين كونها ملفات التعاون السري بين الأسد وتل أبيب، أو شيء آخر، لكن يبدو أن مخاوف الاحتلال الإسرائيلي من الإدارة الجديدة لسوريا أكثر جدية من مخاوفه من النظام السابق، لذا تحركت لضرب كامل مواقع البحوث العلمية والمطارات والدفاع الجوي وسلاح الصواريخ البعيدة والبنية التحتية له، بالتزامن مع التوغل في العمق السوري، وإسقاط العمل باتفاقية فض الاشتباك.
هذا، وتبدأ خارطة التوغل من ريف دمشق الجنوبي الغربي لدمشق وصولًا إلى حوض اليرموك الذي يشكل المثلث الحدودي بين سوريا وفلسطين والأردن، مستفيدًا من الفراغ الأمني بعد انسحاب قوات النظام دون أي عملية قتالية، مخلفة ثكنات ومستودعات تعتبر إسرائيل أن وصول الإدارة العسكرية الجديدة لدمشق إليها مسألة خطرة، حيثُ أطلقت قوات الاحتلال مسمى "المنطقة العازلة"، على ما احتلته، وأبرز المناطق التي يبدو أن إسرائيل لن تنسحب منها أيًا كانت التوافقت الدولية هي: "مرصد جبل الشيخ - مقر الفرقة 24"، وكلاهما يقعان في قمة الجبل الذي صعدته القوات السورية في عام 1973 للمرة الأولى خلال حرب تشرين/أكتوبر، وهو النصر الوحيد الذي ظل يتغنى به نظام الأسد لسنوات طويلة.
بحسب حديث أحد الضباط السابقين في قوات النظام السابق لـ"ألترا صوت"، فإن "مرصد جبل الشيخ يمكّن القوات الإسرائيلية من رصد أي تحرك في الداخل السوري وصولًا إلى مدينة النبك الواقعة على بعد 90 شمال العاصمة"
وبحسب وصف أحد الضباط السابقين في قوات النظام السابق، والذي فضّل عدم الكشف عن هويته خلال حديثه لشبكة "ألترا صوت"، فإن "مرصد جبل الشيخ يمكّن القوات الإسرائيلية من رصد أي تحرك في الداخل السوري وصولًا إلى مدينة النبك الواقعة على بعد 90 شمال العاصمة، وكانت إسرائيل قد نشرت تسجيلات فيديو قبل سقوط النظام تظهر آلية رصدها للعاصمة دمشق والعمليات التي تنفذها ضد القيادات الإيرانية والفلسطينية من مرصدها الذي يقل ارتفاعه عن المرصد السوري بمئات الأمتار"، لافتًا إلى أن "تسجيلات الفيديو هذه توضح مدى حجم المكسب الاستراتيجي لإسرائيل من العودة لأعلى نقاط جبل الشيخ، وهي نقطة كان النظام يهمل قواته المنتشرة فيها، ولا يؤمن وجودها بالقدر الكافي، ولو أن إسرائيل شنت أي حرب برية ضد النظام لكانت هذه النقطة أول ما سيخسره، إضافة إلى مقر الفرقة 24 التي تقع أيضًا على جبل الشيخ".
تواجد قوات الاحتلال الإسرائيلي بالقرب من مدينة السلام، وهو اسم غير رسمي لمركز محافظة القنيطرة التي كان اسمها مدينة "البعث"، يثير قلق سكان المحافظة التي كان الأسد يتاجر بها في حديثه عن العداء مع إسرائيل، وفي هذا الصدد يقول أحد سكان قرية جباتا الخشب بريف القنيطرة، والذي فضّل أيضًا عدم ذكر اسمه خشية من القوات الإسرائيلية، إنه: "لعقود ونظام الأسد يصادر أملاك السكان في القنيطرة المهدمة ليبقيها على حالها التي تركها فيه الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب 1973 بما يخدم دعايته السياسية، وخلال عقود كان ممنوع على السكان المطالبة بتعويض عن هذه الممتلكات، والآن لم يبدو الأمر سهلًا، فقوات الاحتلال تتواجد في القنيطرة المهدمة".
ويتابع حديثه مضيفًا أنه "يبدو أنها ستتوسع نحو مناطق أكثر عمقًا، والمعاملة السيئة للسوريين نتيجة لخشية ضباط جيش الاحتلال من وجود عناصر من الفلسطينيين السوريين ضمن كوادر إدارة العمليات الجديدة، خاصة ممن كانوا من كوادر المنظمات الفلسطينية قبل العام 2011"، مشيرًا إلى أنه "لا يخفِ ضباط الاحتلال خوفهم من هذه العناصر خلال اجتماعاتهم مع السكان المحليين، معتبرين أن التظاهر ضد الوجود الإسرائيلي فيما يسمونه اليوم بالمنطقة العازلة يعد جريمة تدينها قوانين دولة إسرائيل"، بحسب تعبيرهم. ويوضح الرجل في نهاية حديثه لشبكة "الترا صوت" أن المعلومات تشير إلى أن حصيلة الاعتداء الإسرائيلي على الأراضي السورية وصلت إلى السيطرة على عدد من القرى، إضافة لإصابة 6 أشخاص، بينهم طفلان، في مظاهرات متفرقة خرجت في قريتي سويسة - معرية، مع تسجيل 10 حالات اعتقال مؤقت لأشخاص من قرى عابدين وجباتا الخشب، بريف القنيطرة، وكويا ومعرية وجملة، بريف درعا.