من رماد الديكتاتورية.. كيف يمكن للسوريين استعادة وطنهم ومؤسساتهم؟
21 ديسمبر 2024
ما زال السوريون يعيشون في صدمة كبيرة، صدمة لا تقل قسوة عن تلك التي عاشوها عندما توفي حافظ الأسد، لكن الصدمة اليوم تحمل طابعًا مختلفًا، فالديكتاتور الذي كان يروج طوال سنوات حكمه لشعارات "خالد ولا يموت" و"سأبقى في حكم سوريا"، قد سقط أخيرًا، لكن الثمن كان باهظًا، ورغم انقضاء أيام على سقوط بشار الأسد، إلا أن آثار حكمه ما زالت حاضرة، بل إن الألم الحالي قد يكون أشد بسبب فقدان أكثر من 300 ألف معتقل ومفقود، بعضهم قضوا داخل سجون النظام بأبشع صور التعذيب والتصفية الجسدية.
اليوم، وفي الوقت الذي يتنفس فيه السوريون نسيم الحرية بعد عقود من القمع، لا تزال الصدمات تتراكم، فبعد سقوط النظام، واستلام "قوات ردع العدوان" السلطة، وتبقى التساؤلات مطروحة: كيف نواجه المستقبل؟ هل يمكن لسوريا أن تستعيد عافيتها في ظل التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها؟
أولويات المرحلة القادمة
التحديات الحالية لا يمكن اختصارها فقط في صياغة دستور جديد أو الحديث عن عملية انتخابية. فالشعب السوري اليوم يواجه واقعًا مؤلمًا، هو عالق بين منازل مدمرة ومدن مهجورة، في الخيام الحدودية، ولا يزال الكثير من السوريين لا يعرفون ما إذا كان بإمكانهم العودة إلى وطنهم، في ظل غياب خطط ملموسة لإعادة الإعمار.
أمام السوريين فرصة تاريخية قد لا تتكرر، إما النجاح في بناء سوريا جديدة، أو ضياع هذه الفرصة كما ضاعت من قبل، بسبب طغيان بشار الأسد
في هذه اللحظات الحاسمة، تبرز أولويات أخرى، أبرزها الحاجة الماسة لتأمين المناطق المحررة من أيدي الفصائل المسلحة التي لا تزال تحتفظ بأسلحتها، كما أن الفلول المتبقية من نظام الأسد لا تزال تشكل تهديدًا للأمن في بعض المناطق، وهو ما يعوق جهود بسط الأمن والاستقرار في البلاد.
الحاجة الماسة لحكومة تكنوقراط
واحدة من أبرز الأولويات في هذه المرحلة هي تشكيل حكومة تكنوقراط تعمل على إدارة شؤون الدولة بعيدًا عن المحاصصة السياسية والصراعات الحزبية، حكومة من الخبراء والمتخصصين القادرين على اتخاذ القرارات الضرورية لإعادة بناء البلاد وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، الحكومة يجب أن تركز على تفعيل مؤسسات الدولة وتقديم حلول عملية للمشاكل التي يعاني منها الشعب السوري، بدءًا من تأمين المياه والكهرباء وصولًا إلى تحسين الظروف المعيشية.
نزع السلاح وإعادة بناء جيش وطني
في هذه اللحظة التاريخية، تكمن أولويات الحكومة الانتقالية في نزع السلاح من جميع الفصائل المسلحة، خاصة تلك التي نشأت لدعم الثورة السورية، دورها قد انتهى، ويجب أن تدمج في جيش وطني سوري موحد، هذا الأمر يُعد بالغ الأهمية لضمان بسط الأمن في جميع أنحاء البلاد، خاصة أن "غرفة ردع العدوان" لا تستطيع تغطية كل المناطق المحررة في الوقت الحالي.
علاوة على ذلك، لابد من تشكيل محاكم وطنية عادلة لمحاكمة كل من ارتكب جرائم بحق الشعب السوري، هذه خطوة أساسية لضمان العدالة والمصالحة، وإرساء أسس دولة قانون حقيقية، بعيدًا عن الاستبداد الذي فرضه الأسد الأب وابنه على مدار عقود.
الدستور ليس الأولوية الآن
نعم، قد يبدو من المغري الحديث عن تشكيل دستور جديد أو تنظيم انتخابات، لكن الواقع الحالي في سوريا يفرض أن الأولوية الآن يجب أن تكون لإعادة بناء المؤسسات، وتأمين الأمن، وإعادة اللاجئين إلى ديارهم، فالكثير من السوريين يعيشون في مخيمات اللجوء أو في أوضاع صعبة جدًا، بينما تستمر معاناتهم في ظل عدم وجود أي خطة فعالة لإعادة الإعمار.
الأسد لم يكن قائدًا بل مجرمًا
من المهم أن نتذكر أن حافظ الأسد لم يكن يومًا "قائدًا" بل كان مجرمًا، إنه الشخص الذي دمر البلاد وبنى نظامًا قمعيًا خدم مصالحه الخاصة واحتفظ بالسلطة على حساب الشعب. واليوم، بينما يحاول البعض تصديق أو ترويج لأفكار حول إعادة بناء سوريا تحت قيادات جديدة، فإن الحقيقة هي أن هذه القيادة التي تسلمت السلطة اليوم تحتاج إلى إثبات قدرتها على بناء دولة مؤسسات حقيقية، دولة يسود فيها القانون والعدالة، وليس دولة مبنية على أساس عصبية وشخصنة السلطة.
فرصة أخيرة لبناء سوريا جديدة
اليوم، أمامنا فرصة تاريخية قد لا تتكرر. إما أن ننجح في بناء سوريا جديدة، أو أن نضيع هذه الفرصة كما ضاعت من قبل بسبب طغيان بشار الأسد، يجب أن نتذكر أن الهدف ليس فقط تغيير الوجوه السياسية، بل تأسيس دولة حقيقية قائمة على المؤسسات، تضمن العدالة لجميع مواطنيها، وإذا لم يتم اتخاذ الخطوات الحاسمة في هذه المرحلة، فإننا قد نخسر الوطن إلى الأبد.
الخطر الأكبر اليوم هو أن نضيع وقتنا في القضايا الثانوية، بينما الشعب السوري ما زال يعاني في المخيمات وفي المدن المدمرة، أهم الأولويات اليوم هي بسط الأمن، إعادة النازحين، وتوفير فرص الحياة الكريمة للناس، بعد ذلك فقط يمكننا التفكير في الأمور الأخرى مثل الدستور وانتخابات المستقبل.