نحو مؤتمر سوري شامل.. هل تنجح الإدارة الجديدة في تحقيق التغيير؟
21 ديسمبر 2024
بعد عقود من الجمود السياسي، وسياسة الحكم الواحد التي فرضها الرئيس الأسبق، حافظ الأسد، ولاحقًا ابنه الهارب، بشار الأسد، بتحديد حزب البعث العربي الاشتراكي قائدًا للدولة والمجتمع، تشهد سوريا اليوم حراكًا سياسيًا ودبلوماسيًا يمهد لدخول البلاد مرحلة جديدة في تاريخها السياسي المعاصر، بدأت تتشكل ملامحها تدريجيًا، وسط تأكيدات الإدارة السورية الجديدة على أنها تتجه للدعوة إلى مؤتمر وطني شامل، يضم ممثلين عن كافة أطياف الشعب السوري، تمهيدًا لكتابة دستور جديد للبلاد.
وبحسب مصادر "التلفزيون العربي"، فإن الإدارة السورية الجديدة بدأت عقد المشاورات والنقاشات بشأن تشكيل مؤتمر للحوار الوطني، ولفتت المصادر إلى أنه سينجم عن هذه اللقاءات اختيار مجلس انتقالي لإعداد دستور جديد لسوريا. وتأتي هذه التصريحات غداة زيارة وفد دبلوماسي أميركي إلى دمشق التقى خلاله بالإدارة السورية الجديدة، أمس الجمعة، والذي انتهى إلى وصف الوفد الأميركي للاجتماع بـ"الإيجابي والمثمر".
تصريحات سابقة تدعو لمؤتمر سوري شامل
في مقابلة بثتها هيئة الإذاعة البريطانية "BBC"، أكد القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، أن المرحلة الانتقالية في سوريا عليها أن تمر بثلاث مراحل، محددًا المرحلة الأولى بتسلم حكومة سورية لإدارة شؤون البلاد، وهو شرط تحقق بتكليف حكومة الإنقاذ في تصريف الأعمال، ثم تكون المرحلة الثانية بالدعوة إلى مؤتمر وطني جامع لكل السوريين يصوت على مسائل مهمة مثل حل الدستور والبرلمان، وذلك في إطار ملئ الفراغ البرلماني والدستوري الذي تعيشه سوريا في المرحلة الراهنة، وهو ما يمهد أخيرًا لإجراء الانتخابات على المستوى الوطني.
أكدت الإدارة السورية الجديدة على أنها تتجه للدعوة إلى مؤتمر وطني شامل يضم ممثلين عن كافة أطياف الشعب السوري، تمهيدًا لكتابة دستور جديد للبلاد
وأوضح الشرع في المقابلة ذاتها أن سوريا غير مهيئة حاليًا لإجراء انتخابات، وذلك نظرًا لانتشار السوريين في دول المهجر، والتي تحتاج إحصاء شامل، مؤكدًا على أنه "من حق الناس أن يختاروا من يحكمهم ويمثلهم في مجلس النواب"، بالإضافة إلى تشديده على أنه "لا أحد يستطيع إلغاء الآخر في سوريا"، مضيفًا "سنحاول الوصول عبر الحوار لعقد اجتماعي كامل يحافظ على أمن مستدام للسوريين"، ومشيرًا في الوقت نفسه إلى "أن الحكم في سوريا سيكون متناسبًا مع ثقافة وتاريخ البلد".
على المقلب الآخر، طالب الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية على لسان رئيسه، هادي البحرة، في مؤتمر صحفي عقد قبل بضعة أيام بـ"تشكيل حكومة انتقالية شاملة"، في أعقاب انتهاء ولاية "حكومة تسيير الأعمال" في آذار/مارس المُقبل، مؤكدًا على أن تنفيذ القرار الأممي 2254 يُعد "مصلحة أساسية مشتركة للشعب السوري"، لافتًا إلى أن عملية الحوار سيكون طابعها سوريًا - سوريًا بين قوى الثورة والمعارضة ومكونات الشعب السوري كافة دون إقصاء أحد.
كذلك دعا الرئيس الروحي للمسلمين الموحدين الدروز في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، في كلمة له إلى "عقد مؤتمر وطني شامل يجمع ممثلين عن كل الأهالي بكل المحافظات"، مشددًا على وجوب "انتخاب لجان عمل تقوم بإقرار دستور جديد للدولة السورية بوجهة نظام لامركزي إداري مع فصل السلطات حفاظاً على مؤسسات الحكم ومنع تقسيم البلاد وعدم تسيير الأمور باتجاهات خاصة بأي جهة أو أي فئة".
وكان الشرع قد طالب بـ"إعادة النظر في القرار 2254 نظرًا إلى التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي"، في إشارة على اعتماد القرار الصادر عام 2015 على إجراء مفاوضات بين نظام الأسد المخلوع وقوى المعارضة السورية تحت مظلة الأمم المتحدة، والتي كان من المفترض أن ينجم عنها "تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية"، إضافة إلى "اعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية"، يخلص إلى إجراء "انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد تحت إشراف الأمم المتحدة".
تصورات لطبيعة المؤتمر الوطني السوري
تعليقًا على المشاورات التي أطلقتها الإدارة السورية الجديدة لتشكيل مؤتمر وطني سوري، اعتبرت نائبة رئيس الائتلاف الوطني السوري، ديما موسى، في حديثها لـ"التلفزيون العربي"، أنه لا يُفترض للمؤتمر الوطني أن يدعو فقط ممثلين عن القوميات والأديان والعشائر، إذ إن العملية يجب أن تشمل كافة الأطياف السياسية، والتي تعتبرها "كثيرة في المشهد السياسي بالبلاد"، مشيرة إلى أن تصريحات الإدارة السورية الجديدة "تتماهى مع ما يقوله الائتلاف الوطني والقوى السياسية السورية الأخرى، في حين تبقى بعض التفاصيل غير الواضحة معلقة، مثل من سيتم دعوته إلى المؤتمر".
لكن الباحث في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، عمر إدلبي، يرى أن هناك "غموضًا" يحيط بـ"طبيعة المراحل التي ستؤدي إلى انعقاد المؤتمر الوطني السوري" المرتقب، مشددًا على ضرورة "اتخاذ خطوات تسبق الدعوة إلى المؤتمر، مثل إعلان دستوري مؤقت، أو إعلان ينص على العودة إلى دستور عام 1952، على سبيل المثال، لضمان أن تكون الإجراءات المرتبطة بعملية الانتقال محصنة بإطار دستوري وقانوني".
وأشار إدلبي في حديثه لـ"التلفزيون العربي" إلى ضرورة فتح نقاش "حول اللجنة التحضيرية التي ستتولى ترتيبات المؤتمر الوطني، والتي سيكون من مهامها وضع معايير لاختيار الشخصيات التي ستشارك في المؤتمر"، مؤكدًا على أن تكون هذه الشخصيات "ممثلة لجميع توجهات وفئات المجتمع"، إضافة إلى وجوب أن تكون هذه "اللجنة محددة المهام، وتحدد طبيعة العملية التي ستؤدي إلى انتخاب اللجنة التأسيسية المكلفة لاحقًا بوضع وكتابة الدستور السوري الجديد".
وأوضح إدلبي أن قادة الإدارة السورية الجديدة "يعملون على التواصل مع القوى السياسية المتعددة، ويستمعون بشكل جيد إلى الاقتراحات والنصائح التي تصلهم"، معتبرًا أن التصريحات التي أطلقتها الإدارة الجديدة حول الإطار الأولي لعملية الانتقال السياسي "تعد دليلًا على استجابتهم لهذه النداءات، وأنهم ليسوا متمسكين بالشكل الأولي الذي ظهرت به الحكومة الحالية"، لكن إدلبي نبّه أيضًا إلى أنه على الرغم من وجود النقابات ومنظمات المجتمع المدني، إلا أنها "غير مؤهلة فعليًا لتمثيل الحياة السياسية والرأي العام في سوريا"، مثل "فقدان" الائتلاف الوطني لـ"دوره وحضوره" خلال السنوات الماضية.
وحول تصريحات مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية، باربرا ليف، بشأن مؤتمر العقبة، يرى إدلبي أن "بيان العقبة كان يحمل ملامح بذور فرض وصاية على العملية السياسية في سوريا، وإملاءات يمكن أن تكون في بعض جوانبها تخدم عملية الانتقال السياسي في البلاد"، محذرًا الإدارة الجديدة من "الإملاءات" التي خرج بها البيان الختامي للاجتماع، داعيًا الإدارة الجديدة إلى أن "تأخذ ما تعتقد أنه في صالح الشعب السوري، وفي صالح التصورات الجديدة لشكل وطبيعة ومخرجات العملية السياسية الانتقالية".
بعد قطيعة دبلوماسية لأكثر من 10 أعوام، وصل إلى دمشق وفد دبلوماسي أميركي التقى بالإدارة السورية الجديدة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 21, 2024
اقرأ أكثر: https://t.co/ZyV58zT4rK pic.twitter.com/qM1rrf8pQ9
من جانبه، لا ينفِ عميد كلية العلوم السياسية في جامعة "الشمال" في إدلب، كمال عبدو، أن الغموض في المشهد السوري "أمر طبيعي في هذه المرحلة"، لافتًا إلى أن "هذه المرحلة ربما تتطلب تكاتف كل القوى المجتمعية لمساندة الحكومة في هذا الظرف، وللاتفاق على مجموعة من المبادئ الرئيسية التي تنظم عمل العقد الاجتماعي القادم"، مؤكدًا على أهمية الحكومة الانتقالية الحالية لـ"ضرورة التخلص من حكومة النظام، وللتخلص من الجيش السوري والأنظمة الأمنية، كي لا نقع في ثورة مضادة كما حدث في بلدان عربية كثيرة".
وأشار عبدو في حديثه لـ"التلفزيون العربي" إلى أنه يجري العمل عليه حاليًا هو الحوار الوطني الشامل على مستوى كل محافظة، موضحًا أنه "سيكون هناك حركة مكثفة للحوار الوطني على مستوى البلدات والقرى، لانتخاب مجلس يمثل كل محافظة"، إضافة إلى أنه سيتم دعوة ممثلي المحافظات إلى جانب ممثلي الطوائف لـ"عقد مؤتمر شامل يحدد الخطوات الرئيسية المتعلقة بالدستور"، وما سينجم عن المؤتمر من انتخاب للجنة دستورية تكلف بإجراء التعديلات الدستورية، أو وضع دستور جديد للبلاد.
وختم عبدو حديثه في النهاية مشددًا على أن الإدارة السورية الجديدة التي تدير شؤون البلاد خلال هذه المرحلة، مطالبة بأن "توازن ما بين استقلالية القرار الداخلي وما يتمناه الشعب السوري، وما بين الضغوط الجبارة التي تمارس سواء من قبل الأميركيين أو الأوروبيين"، في إشارة إلى تصريحات المسؤولين الغربيين التي تكررت حول طبيعة الحكم الذي يجب أن تكون عليه سوريا في المستقبل القريب.