هل تتسارع وتيرة إزالة "الدولرة" بسبب سياسة الرسوم الجمركية التي يتبناها ترامب؟
12 ابريل 2025
تراجعت حصة الدولار من احتياطات البنوك المركزية العالمية خلال العقدين الماضيين، من نحو 70% في عام 2000 إلى أقل من 60% بحلول عام 2024، وسط توقعات باستمرار هذا الانخفاض في ظل التوجه المتزايد نحو تنويع الأصول الاحتياطية، لا سيما باللجوء إلى الذهب والعملات الرقمية، وفي مقدمتها الرنمينبي الصيني.
غير أن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، المعروفة بـ"إزالة الدولرة" – أي تقليص الاعتماد على الدولار كعملة دفع واحتياط عالمية – تتجاوز الاعتبارات الاقتصادية البحتة، إذ ترتبط أيضًا بالسياسات التجارية الحمائية التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
فقد أدت حرب ترامب التجارية، القائمة على فرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات، إلى تقويض ثقة المستثمرين في الدولار وفي الاقتصاد الأميركي كملاذ آمن، ما دفع العديد منهم إلى التخلي عن الأصول الأميركية من سندات ودولارات.
قد يجد ترامب نفسه مضطرًّا، تحت ضغط اضطرابات الأسواق والتحول التدريجي الذي بدأ يظهر عالميًا نحو إزالة الدولرة، إلى اتخاذ المبادرة بالتقارب مع الصين.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب الأميركي دايفيد إغناشيوس أن تصعيد النزاع التجاري، خصوصًا مع الصين – ثاني أكبر اقتصاد في العالم – من شأنه أن يفاقم الاضطرابات في الأسواق الأميركية، معتبرًا أن التهدئة مرهونة بإشارة واضحة من ترامب تفيد باستعداده للتفاوض وإبرام صفقة مع بكين.
وقد استخدم ترامب سلاح الرسوم الجمركية كأداة ضغط على الصين لدفعها نحو طاولة المفاوضات من موقع ضعف، وبلغ هذا التصعيد ذروته برفع الرسوم إلى 125% هذا الأسبوع. إلا أن بكين ردت بالمثل، رافضة الاستجابة للضغوط الأميركية. ومع تصاعد المخاوف في الأسواق الأميركية، كما يلاحظ إغناشيوس، قد يجد ترامب نفسه مضطرًا، بفعل الضغوط الاقتصادية وتنامي التوجه العالمي نحو التخلص من هيمنة الدولار، إلى انتهاج سياسة أكثر مرونة تجاه الصين.
كانت صيغة الرسوم الجمركية التي فرضها #ترامب بسيطة بشكل خادع. كانت تتمثل في قسمة العجز التجاري للسلع الأميركية مع بلد ما على صادرات ذلك البلد إلى الولايات المتحدة، ثم تحويل النتيجة إلى نسبة مئوية. بعدها، يتم قسمة هذه النسبة إلى النصف للحصول على قيمة الرسوم الجمركية الأميركية… pic.twitter.com/MaDGcepo5u
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 5, 2025
يرى وزير الخزانة الأميركي الأسبق في عهد الرئيس بيل كلينتون، لورانس سامرز، أن السياسات الحمائية والعدوانية التي انتهجها دونالد ترامب كادت أن تدفع الولايات المتحدة نحو أزمة شبيهة بتلك التي واجهتها بريطانيا عام 1956 بعد أزمة قناة السويس، والتي فقدت على إثرها هيمنة الجنيه الإسترليني كعملة احتياط عالمية. وبحسب سامرز، فإن إدارة ترامب اضطرت إلى التراجع خطوة إلى الوراء حين شعرت أن "أزمة السويس" تقترب منها، بعد أن رصدت تراجعًا واسعًا في الثقة بالأصول المالية الأميركية، بما فيها الدولار.
إزالة الدولرة: خطر متزايد
أشار تقرير لصندوق النقد الدولي العام الماضي إلى تراجع تدريجي في حصة الدولار من احتياطات البنوك المركزية حول العالم، حيث انخفضت من 70 % في عام 2000 إلى أقل من 60 % حاليًا. كما أوضح التقرير أن البنوك المركزية باتت تميل إلى الاحتفاظ بالمزيد من الذهب، بالإضافة إلى العملات البديلة، وعلى رأسها الرنمينبي الصيني.
بدورها، حذرت مؤسسة بروكينغز في تقرير لها من ثلاثة تحديات رئيسية تهدد مكانة الدولار: أولًا، الإفراط في استخدام العقوبات الاقتصادية، والتي يفقد تأثيرها بمرور الوقت؛ ثانيًا، تفاقم العجز والدين العام الأميركي، وهي أزمة يغضّ الطرف عنها الحزبان الديمقراطي والجمهوري؛ وثالثًا، التطورات السريعة في التكنولوجيا المالية، التي تتيح تسوية المعاملات بوسائل بديلة خارج النظام الدولاري.
🇺🇸🇨🇳 ماذا يحدث بين #الصين و #أميركا؟ وما دور الاتحاد الأوروبي في حرب الرسوم الجمركية؟
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) April 10, 2025
التفاصيل كاملة في التقرير: https://t.co/SWJkyrspAz pic.twitter.com/XiEMBKgr4A
الصين تنتهز الفرصة
وفي ظل هذا التحول، تسعى الصين لتسريع عملية إزالة الدولرة من خلال تطوير عملة رقمية قابلة للاستخدام دوليًا، بالتعاون مع عدد من الدول. وتشير تقارير إلى أن البنك المركزي الصيني أنشأ نظام دفع رقمي باليوان مع عشر دول في جنوب شرق آسيا، وست دول في الشرق الأوسط، مما يسمح فعليًا بتجاوز شبكة "سويفت" التي تهيمن عليها واشنطن.
ويمثل هذا خطوة ملموسة في اتجاه إزالة الدولرة، في عالم بدأ يسأم، بحسب ديفيد إغناشيوس، من السياسات الأميركية التعسفية وسوء إدارة الاقتصاد العالمي. فقد كانت قوة الدولار مدعومة، لعقود، بثقة المجتمع الدولي في التزام الإدارات الأميركية المتعاقبة بسيادة القانون والاستقرار المالي، لكن ترامب قوّض تلك المبادئ خلال أول 100 يوم من رئاسته عبر قرارات ارتجالية واستبدادية.
ويذهب مايكل فرومان، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، إلى القول: "لقد صنعنا خصمًا مشتركًا للنظام الدولي، هو: الولايات المتحدة نفسها". وبحسب فرومان، وسامرز، وإغناشيوس، فإن استمرار هذا النهج من شأنه أن يعجّل بتآكل مكانة الدولار، خصوصًا إذا تصاعدت المواجهة الاقتصادية مع الصين، التي تُظهر استعدادًا متزايدًا لتحدي الهيمنة الأميركية في النظام المالي العالمي.