هل تزاحم الصين الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟
20 أكتوبر 2024
تتساءل منصات صينية إعلامية وأكاديمية ـ بعضها رسمي والبعض الآخر منها قريب من الدوائر الدبلوماسية الصينية ـ عمّا إذا كانت بكين ستقوم بملء الفراغ في الشرق الأوسط، مستغلةً انغماس الرئيس الأميركي المقبل الذي ستتحدد هويته بين كامالا هاريس وترامب، يوم الخامس من تشرين الثاني/أكتوبر، في معالجة معضلات تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة؟
يبدو أنّ تزايد الحضور الصيني وتأثيره في المنطقة أمرٌ مفروغ منه حسب وسائل إعلام صينية، والدليل على ذلك استضافة بكين مؤخرًا لمؤتمر "مصالحة" بين الفصائل الفلسطينية، وبالتالي ما ستواجهه كامالا هارس أو ترامب هو التحدي الصيني في الشرق الأوسط، حيث ترى أوساط إعلامية وأكاديمية صينية أن ترامب أو هاريس "سيجد نفسه مضطرًّا إلى التصالح مع سعي الصين إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، مع فقدان واشنطن نفوذها شيئًا فشيئًا في المنطقة"، وفي وقتٍ تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية على جبهات متعددة.
وتعتبر دوائر صنع القرار في السياسية الخارجية الصينية، أنّ "الصراع المتّسع في الشرق الأوسط يعد إحدى القضايا الرئيسية التي تهيمن على النقاش الأميركي الحالي حول السياسة الخارجية، إذ دفَع قرار إرسال قواتٍ ودفاعات صاروخية متقدمة إلى إسرائيل، إيران إلى التحذير من أن الولايات المتحدة تعرّضها للخطر". وتجادل وسائل إعلام الصينية أنّ ذلك "قد يكون له تأثير مباشر على نتيجة الانتخابات الرئاسية، وسط الغضب من موقف البيت الأبيض المؤيد لإسرائيل، والذي يهدد فرص هاريس في الفوز بولاية ميشيغان، وهي ولاية متأرجحة رئيسية تضم نسبة كبيرة من الناخبين العرب الأميركيين".
دور بكين في الشرق الأوسط لا يعدو كونه دورًا مناكفا للسياسات الأميركية في المنطقة، ولا يعكس رغبةً حقيقية في القيام بدور حيوي
بناءً على هذه المقدمات يرى المراقبون الصينيون للشرق الأوسط أنه "بغض النظر عن النتيجة في انتخابات الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر القادم، فإن الرئيس الأميركي المقبل سيواجه الحقيقة الصارخة، بأن نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة سيصبح محدودًا على نحو متزايد"، ولذلك يتوقع الصينيون أن تعمد واشنطن كرد على نشاط الصين في مراكز نفوذها إلى "تركيز المزيد من الموارد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ" ضمن استراتيجية احتواء الصعود الصيني.
لكنّ أخطر ما في هذه التغيرات على صعيد المنطقة أن الأدوار المتنامية للصين في الشرق الأوسط من شأنه أن "يحوّل المنطقة إلى ساحة مواجهةٍ أخرى بين العملاقين الأميركي والصيني، ما قد يُسفر عن إعادة تشكيل ملامح السياسة الخارجية لواشنطن في المنطقة خلال الفترة المقبلة".
الاختراق الصيني في الشرق الأوسط
يرى الباحث الصيني في الشؤون الدولية، لي تشونغ، أن تحرك بلاده في الشرق الأوسط "ينطلق من دورها وصفتها كدولة مسؤولة وعضوًا دائمًا في مجلس الأمن، وقد تجلى ذلك في مواقفها الثابتة لحل الصراعات والنزاعات عبر المفاوضات والحوار، سواء ما يتصل بالحرب على غزة، أو الحرب على لبنان".
ويتابع الباحث الصيني القول: "بكين نجحت في تحقيق اختراق سياسي كبير أخيرًا حين توسطت في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران العام الماضي، وأيضًا كانت هناك اختراقات في ملف المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية في العاصمة بكين في تموز/يوليو الماضي"، مبيّنًا أنّ "هذه الجهود تُوضح ملامح الاستراتيجية الصينية في المنطقة الساعية إلى إحلال السلام وإدارة الخلافات عبر الوسائل السلمية بما يحقق مبدأ التعايش السلمي المشترك بين الجميع من دون الاحتراب أو الاحتكام لقوة السلاح وعقلية الردع والهيمنة التي تمثلها الولايات المتحدة والقوة الغربية التي تدعم طرفًا على حساب آخر، دون أي اعتبار لتكلفة الحرب البشرية والمادية" وفق تعبيره.
أمّا الباحث الزميل في جامعة تايبيه الوطنية (تايوان)، لونغ يوان، فيرى أنه "من السابق لأوانه الحديث عن دور لبكين في الشرق الأوسط، لأن ذلك سيفترض أن واشنطن أخلت مسؤوليتها ورفعت يدها عن المنطقة، وهذا غير صحيح".
ويفسّر يوان محاججته قائلًا إنه: "قبل الحرب على غزة كان التركيز الأميركي منصبًا على منطقة المحيطين الهادئ والهندي لمحاصرة الصين، خصوصًا أن الإدارة الأميركية السابقة مهدت الطريق لذلك عبر تهدئة الأجواء بمحيط مضطرب، وهو الشرق الأوسط، من خلال إبرام اتفاقيات سلام بين دول المنطقة وإسرائيل، وربما كانت السعودية آخر الدول المنضمة لاتفاقيات أبراهام لولا ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي".
لكن بعد الحرب، التي طالت شراتها دول الجوار، يرى الباحث التايواني لونغ يوان أنّ الرئيس الأميركي المقبل "سيجد نفسه ملزمًا بإعادة ترتيب أولوياته السياسية حتى ولو كان ذلك على حساب احتواء الصين، عبر ضخ المزيد من الجهود لتعزيز نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية"، معتبرًا في ختام تحليله أن "واشنطن لن تسمح لبكين بلعب دور محوري في المنطقة، وقد نشهد خلال الفترة المقبلة وجودًا أكبر للقوات الأميركية في البحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط".
أمّا الخبير في العلاقات الدولية تشاو يين فيرى أنّ "دور بكين في الشرق الأوسط لا يعدو كونه دورًا مناكفًا للسياسات الأميركية في المنطقة، ولا يعكس رغبةً حقيقية في القيام بدور حيوي".
فالدور الصيني حتى اللحظة "يقتصر على تقديم مبادرات وحلول سلمية شفهية تستخدم عادةً للاستهلاك الإعلامي في محاولة تسويق صورة الصين أمام المجتمع الدولي بأنها دولة داعية للسلام على خلاف الصورة التي يرغب الغرب في ترسيخها إعلاميًا.
الصين معنية باحتواء النفوذ الأميركي والرد على الولايات المتحدة بالمثل، بمنافستها في مناطق نفوذها
وعلى ذلك الأساس يرى تشاو يين "الغاية من الحراك الدبلوماسي الصيني في ملفات مأزومة مثل الحرب على غزة وكذلك الأزمة الأوكرانية، هي مجرد تسجيل نقاط سياسية على حساب واشنطن"، وهذا بحد ذاته لا يعدّ كافياً للقول إن بكين على استعداد للانخراط بشكل أكبر في أزمات الشرق الأوسط وتولّي أدوار أمنية وعسكرية على غرار واشنطن التي ترسل حاملات طائراتها إلى المنطقة وتقدم الدعم العسكري والمادي لحليفتها إسرائيل، وتتعهد بحمايتها من التهديدات الإيرانية.
ومع ذلك يلفت تشاو يين الانتباه إلى أن "بكين قد تكون من خلال هذه الجهود تجس النبض الأميركي لمعرفة كيفية ردة الفعل والهامش الذي يمكن أن تناور فيه لو فكّرت مستقبلًا في الانخراط بشكل أكبر في المنطقة".
لكنّ أي تحليل يستند إلى الواقعية لن يفترض ما ذهب إليه تشاو يين، فالصين معنية باحتواء النفوذ الأميركي والرد على الولايات المتحدة بالمثل، بمنافسة واشنطن في مناطق نفوذها، ولن يكون ذلك إلا بلعب أدوار حيوية في مناطق نفوذ واشنطن سياسيًا واقتصاديًا بل وحتّى عسكريًا على غرار ما فعلته روسيا.