هل عودة إسرائيل للحرب في غزة تمهيدٌ لعملية تهجير قسري؟
19 يمشي 2025
بعد مرور شهرين على اتفاق وقف إطلاق النار، الذي كان من المفترض أن ينهي الحرب، استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية بكثافة غير مسبوقة، شبيهة بتلك التي نفذتها خلال الأيام الأولى من عدوانها على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
تشير التقارير الصحفية إلى أن الغارات الإسرائيلية منذ الساعات الأولى من فجر الثلاثاء أدت إلى استشهاد أكثر من 400 فلسطيني وإصابة المئات، فيما أصدرت قوات الاحتلال أوامر إخلاء لسكان البلدات والأحياء المحاذية للحدود مع القطاع، مما يفتح الباب أمام اجتياح بري جديد.
يشير بن ريف في تحليله إلى أن إسرائيل بدأت بالفعل بتنفيذ سياسات تهدف إلى جعل الحياة في غزة مستحيلة
في مقال نشره كبير المحررين في مجلة "972+"، بن ريف، حذّر من أن استئناف إسرائيل لهجماتها على قطاع غزة، والذي جاء بضوء أخضر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يهدد بأن يتحول إلى عملية تطهير عرقي شاملة تهدف إلى إفراغ القطاع من سكانه.
تبريرات إسرائيل وواقع الأسرى
تروج إسرائيل لرواية أن استئناف القتال جاء نتيجة رفض حماس المتكرر إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين ورفضها جميع المقترحات التي قدمها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف. لكن وفقًا لريف، فإن هذه الحجة تفتقد للمصداقية، حيث إن الحكومة الإسرائيلية نفسها تعمدت تقويض اتفاق وقف إطلاق النار، ورفضت تنفيذ مرحلته الثانية التي نصت على الإفراج عن باقي المحتجزين وإنهاء الحرب بشكل دائم.
عائلات فلسطينية تنزح من المناطق الشرقية لمدينة #خانيونس و #رفح، بعد أن طلب جيش الاحتلال منهم الإخلاء جنوبي قطاع #غزة. pic.twitter.com/uCh3o3bLHu
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 18, 2025
وفي بيان شديد اللهجة، أكد منتدى عائلات الأسرى والمفقودين أن "الزعم بأن الحرب تستأنف من أجل الإفراج عن الأسرى هو محض خداع"، متهمًا الحكومة الإسرائيلية بالتخلي عنهم عمدًا عبر عرقلة جهود إعادتهم إلى ديارهم لتحقيق مكاسب سياسية.
دور إدارة ترامب في دعم التطهير العرقي
يشير ريف إلى أن قرار استئناف الحرب ترافق مع دعم غير مشروط من إدارة ترامب، حيث شدد البيت الأبيض على أن "ترامب يقف بحزم إلى جانب إسرائيل".
وخلال استقباله لنتنياهو في شباط/فبراير الماضي، أعلن ترامب في المؤتمر الصحفي بالبيت الأبيض أنه ينوي "السيطرة على غزة" وإيجاد "دول مضيفة" للفلسطينيين، مما يعني عمليًا التمهيد لعملية تهجير قسري لسكان القطاع.
وبحسب ريف، فإن هذا التصريح منح إسرائيل الضوء الأخضر لبدء تنفيذ خطط التطهير العرقي التي لطالما دعت إليها شخصيات بارزة في الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وبعد عودة نتنياهو من واشنطن، وافق المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل بالإجماع على مقترح ترامب، فيما سارع وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى إنشاء هيئة خاصة داخل الوزارة لتسهيل ما وصفه بـ"الهجرة الطوعية" لسكان غزة. في حين أعلن سموتريتش أن إسرائيل تهدف إلى ترحيل 5 ألاف فلسطيني يوميًا، وهو ما يعني إخلاء غزة بالكامل خلال عام واحد فقط.
كما أفادت تقارير إعلامية إسرائيلية، بأن إيتمار بن غفير، العائد من جديد للائتلاف الحكومي في إسرائيل، طلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تعيينه رئيسًا للجنة الوزارية الخاصة بملف تهجير سكان قطاع غزة، إلا أن الإدارة الأميركية فرضت "فيتو" على تعيينه، بدعوى أن تولي بن غفير لهذا المنصب سيضفي بعدًا حزبيًا على مشروع تهجير سكان القطاع، الذي طرحه وتبناه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
🎥 عائلة كاملة مسحها الاحتلال في قصفه على #خانيونس فجر اليوم. pic.twitter.com/n1vRFO2C35
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 18, 2025
خطة التهجير القسري
تسعى إدارة ترامب، وفقًا للخطة المقترحة، إلى إخراج جميع سكان غزة وإعادة توطينهم في أماكن أخرى، مع تولي الولايات المتحدة مسؤولية إعادة إعمار القطاع وتحويله إلى "مشروع عقاري". وتلقى هذا المخطط دعمًا علنيًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصفه بـ"الرؤية الجريئة"، بينما قوبل برفض قاطع من قبل الفلسطينيين والدول العربية.
وأفادت تقارير إعلامية إسرائيلية بأن تل أبيب بدأت باتخاذ خطوات عملية لتنفيذ الجزء الخاص بها من خطة ترامب. وقد شرعت إسرائيل في إنشاء "مديرية الهجرة من غزة" داخل وزارة الأمن، لتكون الجهة المسؤولة عن تنسيق العملية وتوفير الإطار التنفيذي لها على الأرض، بينما تتولى الولايات المتحدة الجانب الدبلوماسي والترويجي للخطة على المستوى الدولي.
فقد كشفت وكالة "أسوشييتد برس" أن واشنطن وتل أبيب تواصلتا مع حكومات ثلاث دول إفريقية، هي: السودان، الصومال، وإقليم أرض الصومال (صوماليلاند)، لاستكشاف إمكانية استقبال لاجئين فلسطينيين.
وفي هذا السياق، زعمت هيئة "البث الرسمية" الإسرائيلية بأن وزير خارجية إقليم أرض الصومال أبدى استعداد بلاده لمناقشة إمكانية استقبال لاجئين فلسطينيين من غزة. بشرط الحصول على اعتراف رسمي بها مقابل بحث هذه المسألة.
وأكد وزير خارجية أرض الصومال أن حكومته منفتحة على مناقشة مختلف القضايا، بما في ذلك استقبال فلسطينيين من غزة، لكنه شدد على أن الأولوية بالنسبة لبلاده هي الاعتراف الدولي بها. وأضاف أن أي دولة تسعى للتفاوض حول هذا الملف يجب أن تبادر أولًا بفتح ممثليات دبلوماسية لديها، في إشارة إلى شرط الاعتراف الرسمي بالإقليم كدولة مستقلة.
المكتب الاعلامي الحكومي: 73% من ضحايا الغارات يوم أمس على #غزة هم من الأطفال والنساء وكبار السن. pic.twitter.com/lKKpfunWKq
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 19, 2025
جعل غزة غير صالحة للحياة
يشير بن ريف في تحليله إلى أن إسرائيل بدأت بالفعل بتنفيذ سياسات تهدف إلى جعل الحياة في غزة مستحيلة، مما يجبر السكان على الفرار. وتشمل هذه السياسات فرض حصار شامل يمنع دخول المواد الغذائية والمياه والوقود والكهرباء، إلى جانب قصف مستودعات الغذاء وقوافل المساعدات الإنسانية، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة الجوع والاحتياجات الأساسية.
كما تستهدف الهجمات العاملين في القطاع الصحي والبنية التحتية الصحية عبر تدمير المستشفيات والمراكز الطبية، وتقييد دخول فرق الإغاثة الدولية، مما يزيد من معاناة المرضى والمصابين.
ولم تقتصر هذه الإجراءات على القطاعين الغذائي والصحي، بل امتدت إلى تدمير الأحياء السكنية بشكل منهجي، ما يجعل من المستحيل على الفلسطينيين البقاء في منازلهم أو إعادة بناء حياتهم، وهو ما يراه ريف خطوة ممنهجة نحو تهجير السكان قسرًا.
ورغم أنه لا يزال من غير الواضح كيف ستنتهي هذه الجولة من التصعيد، لكن وفقًا لريف، فإن المؤشرات كلها تدل على أن "إسرائيل لن تتوقف حتى تحقق هدفها النهائي، وهو تفريغ غزة من سكانها، بدعم أميركي كامل". وحتى لو توقفت العمليات العسكرية مؤقتًا، فإنه لا شيء يمنع من تكرار المجازر مستقبلًا.