هل يصبح جوردان بارديلا زعيم اليمين المتطرف الجديد في فرنسا؟
2 ابريل 2025
بعد أيام من إصدار القضاء الفرنسي حكمًا بإدانة زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، مارين لوبان، بالسجن أربع سنوات، بتهمة اختلاس الأموال العامة، الأمر الذي منعها من الترشح للانتخابات؛ تم تسليط الضوء على جودان بارديلا الذي يرشحه الكثيرون ليصبح الوريث لقيادة اليمين المتطرف في فرنسا.
واستعرضت كالة "أسوشيتد برس" مسيرة الشاب البالغ من العمر 29 عامًا، وهو أحد أبرز الأوجه الشابة التي تبرز في سماء اليمين المتطرف الفرنسي. ورغم كونه أحد الأسماء الأكثر شهرة في حزب التجمع الوطني الفرنسي، إلا أن ثمة أسئلة كثيرة تحوم حول قدرته على قيادة اليمين المتطرف في البلاد، فهل يستطيع بارديلا تحمل عبء القيادة في مرحلة حرجة، وهو الذي لا يمتلك أية خبرة حكومية حقيقية؟ هذا السؤال أصبح في صميم النقاشات السياسية في فرنسا، حيث يواجه بارديلا تحديات هائلة في قيادة حزب له تاريخ طويل من الانقسامات والصراعات الداخلية.
الصعود السريع والاعتماد على مارين لوبان
في بداية مسيرته السياسية، استفاد بارديلا من الدعم القوي من مارين لوبان، زعيمة الحزب وأحد أبرز رموز اليمين المتطرف في فرنسا. تعيينه رئيسًا لحزب التجمع الوطني في سن السادسة والعشرين كان خطوة استراتيجية من جانب لوبان لضمان استمرارية الحزب بعد أن كانت تواجه تحديات عدة بسبب السمعة السلبية التي التصقت به بسبب ماضيه العنصري.
قد يتمكن جوردان بارديلا من أن يصبح زعيمًا مستقبليًا لليمين المتطرف في فرنسا، لكن ذلك يتطلب أكثر من مجرد إدارة صورة إعلامية جيدة
وحسب تقرير "أسوشيتد برس"، ترى مارين لوبان في بارديلا "أصلًا" للحزب يمكن أن يساعد في تحديث صورته وجذب الناخبين الشباب. فقد أصبح بارديلا يمثل الوجه الشاب، المبتسم، القادر على التواصل مع وسائل الإعلام بشكل أكثر احترافية من قيادات الحزب السابقة. ومع ذلك، فقد كان هذا الدعم من لوبان يشير إلى أنه حتى لو كان بارديلا وجهًا جديدًا للحزب، فإنه لا يزال يعتمد على الإرث السياسي الذي تركته مارين لوبان.
التحديات السياسية الداخلية: هل يمتلك القيادة؟
رغم الشعبية التي يتمتع بها بارديلا بين الشباب ومن خلال وسائل الإعلام الحديثة، فإن لديه نقصًا كبيرًا في الخبرة السياسية الحقيقية. فهو لم يشغل أي منصب حكومي من قبل، ولم يمر بتجربة قيادة حقيقية على المستوى الوطني أو الإداري. يواجه بارديلا العديد من الانتقادات بشأن فشله في بناء هيكل حزبي قوي ومستدام. ففي الحزب، يُعتبر أسلوبه في القيادة أكثر تركيزًا على تعزيز صورته الشخصية بدلاً من تعزيز قدرة الحزب على تولي السلطة بشكل فعلي.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الحزب تحت قيادته من محدودية الهيكلة والتنظيم الداخلي، حيث يشتكي بعض أعضاء الحزب من المركزية المفرطة في صنع القرارات وعدم وجود خطة واضحة لتحضير الحزب للحكم. مشاريع بارديلا التي وعد بها، مثل استقطاب كفاءات جديدة أو تعزيز الشبكات المحلية، لم تُنفذ بالشكل المتوقع، مما يشير إلى ضعف في الجوانب التنظيمية للحزب.
صورة دولية غير مكتملة
في الوقت الذي يسعى فيه بارديلا لتوسيع تأثيره الدولي، تظل قدراته على الساحة العالمية موضع تساؤل. على الرغم من محاولاته لتقديم نفسه كقائد دولي، مثل زيارته لإسرائيل، إلا أن هذه الزيارات كانت في بعض الأحيان كارثية على صورته. فقد قوبل بتجاهل من بعض الزعماء الإسرائيليين، كما تم مقاطعته من قبل العديد من المنظمات اليهودية. هذه التجارب تسلط الضوء على أن بارديلا قد يواجه صعوبة في تأسيس علاقة قوية مع المجتمع الدولي، وهو ما قد يعوق طموحاته في أن يصبح زعيمًا عالميًا.
ومن حيث البرنامج السياسي، يحمل بارديلا أجندة مشابهة لأجندة اليمين المتطرف التقليدي: قوانين صارمة للهجرة، تقليص الدعم الاجتماعي للمهاجرين، وتقليص الضرائب. هذه السياسات يمكن أن تجذب الناخبين المتشددين الذين يشعرون بالقلق بشأن الهجرة وارتفاع معدلات البطالة والفقر. وفي الوقت ذاته، يعرض بارديلا موقفًا أكثر توازنًا في السياسة الخارجية، حيث أيد دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، مع الحفاظ على مواقف أكثر حذرًا فيما يتعلق بتعميق علاقات فرنسا مع الناتو.
ولكن يبقى أن الناخبين المعتدلين قد يرون في برنامجه تكرارًا للخطاب الشعبوي دون تقديم حلول عملية للأزمات الداخلية التي تعيشها فرنسا. ومن هنا، تظهر الفجوة بين الحماسة التي يلاقيها بارديلا بين الفئات الشابة والنخب السياسية، وما إذا كان سيستطيع كسب ثقة الجماهير الأوسع التي قد تكون أقل تحمسًا لسياسات اليمين المتطرف.
وريث محتمل أم "صنعة إعلام"؟
يُعتبر جوردان بارديلا أحد أكثر الشخصيات الشابة التي جذبت الأنظار في الساحة السياسية الفرنسية. ومع ذلك، مستقبله السياسي يعتمد على قدرته على تجاوز التحديات الداخلية، وبناء هيكل حزبي قوي قادر على المنافسة على المستوى الوطني. بينما قد يتمكن من الاستمرار في جذب الناخبين الشباب بفضل صورته العصرية، فإن غياب الخبرة السياسية العميقة يمكن أن يكون عقبة كبيرة في طريقه لتحقيق طموحاته.
لذلك، يظل السؤال حول ما إذا كان بارديلا سيصبح "وريثًا" حقيقيًا لليمين المتطرف في فرنسا مفتوحًا. قد يتمكن من أن يصبح زعيمًا مستقبليًا للحزب، لكن ذلك يتطلب أكثر من مجرد إدارة صورة إعلامية جيدة؛ بل يتطلب قدرة على إدارة شؤون الحزب بفعالية، وتطوير سياسات حقيقية تلامس احتياجات المجتمع الفرنسي بكل تنوعاته.