هل يعيد ترامب تشكيل الاستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ؟
18 نوفمبر 2024
تمثّل الاستراتيجية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ جزءًا أساسيًّا من خطة واشنطن لاحتواء الصين، وازدادت تلك الاستراتيجية أهميةً بإنشاء حلف أوكوس في العام 2021، والذي يضم إلى جانب الولايات المتحدة كلًّا من بريطانيا وأستراليا، فضمن خطط واشنطن لمواجهة النفوذ الصيني تقرّر حينها تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية لتعزيز قدراتها البحرية ومعالجة المخاوف الأمنية الإقليمية.
لكنّ هذا المسعى معرّضٌ للتأثر بسبب عودة ترامب التي أثارت قلق حلفاء أميركا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وفي أستراليا على وجه الخصوص، إذ ليس من المعروف ما إذا كان ترامب سيعلق صفقة الغواصات "أوكوس" أم سيتابعها، وهو المعروف ببراغماتيته وميله عمومًا إلى تفجير التوترات.
تقييمات صينية
يعتقد المحللون في وسائل الإعلام الصينية، ومن بينها صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست، أن دخول ترامب إلى البيت الأبيض من جديد "دقت ناقوس الخطر في مجتمع الدفاع الأسترالي، وأثارت مخاوف بشأن تعقيد مشروع الغواصة أوكوس الذي تبلغ قيمته عدة مليارات من الدولارات".
احتواء الصين في منطقتي المحيط الهادئ والهندي هدفٌ استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية
لكن على الرغم من أنّ ترامب لم يركز أثناء حملته الانتخابية على سياسته الدفاعية، إلا أنه لم يخف رغبته في مواجهة الصين وبشكلٍ خاص في منطقتيْ المحيطين الهادئ والهندي، بل إنّ عهدته الأولى كانت جسّدت تلك الرغبة بشكلٍ واضح، ويحاول ترامب في التنافس مع الصين على فض الشراكة الروسية الصينية من جهة، وضرب المصالح الاقتصادية والاستراتيجية في أكثر من منطقة ومجال، وما التلويح بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على الواردات الصينية إلّا تصديقًا للسياسة الاستهدافية وسياسة المواجهة مع الصين.
محاور الاستراتيجية الأميركية لاحتواء الصين في المنطقة
أعلنت واشنطن استراتيجيتها لاحتواء الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في العام 2011 أثناء فترة رئاسة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، وأعطي للاستراتيجية حينها اسم "التوجه نحو آسيا"، عبر إعادة التوازن مع حلفاء واشنطن الإقليميين. ومن حينها عرفت الاستراتيجية عدة تعديلات، بما فيها تعديلات أدخلها الرئيس ترامب خلال عهدته الأولى حيث تركزت الاستراتيجية معه على جعل المنطقة "منطقةً حرة ومفتوحة"، وذلك بزيادة التدفقات التجارية وحرية الملاحة مع التأكيد على احترام الحدود القائمة، كما تضمّنت الاستراتيجية شنّ حربٍ تجارية على بكين، عبر فرض الرسوم الجمركية على وارداتها ومنتجاتها نحو الأسواق الأميركية.
استراتيجية أكثر عدائية
من الملاحظ أنّ ترامب ركّز في عهدته الأولى على الجوانب الاقتصادية في استراتيجية احتواء الصين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، مفضلًا بذلك الابتعاد عن قضايا الأمن والدفاع، لكن ترامب يعود اليوم بحسابات جديدة، من المرجح معها أن يتبع استراتيجية عدوانية، خاصةً أنه اختار عضو مجلس النواب الجمهوري مايك والتز مستشارًا له للأمن القومي.
وقد عُرف عن الأخير تركيزه على انتقاد النشاط الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ودعوته المستمرة إلى حاجة الولايات المتحدة أن "تستعدّ لصراع محتمل في المنطقة".
لكن بعض تصريحات ترامب أثناء الحملة تلقي بظلال من الشك على موقفه من الحلفاء في آسيا، خاصةً تايوان التي يرى أنها مطالبة بدفع المزيد نظير الحماية الأميركية لها، وهذا بعكس ما كان عليه الحال في عهدته الأولى التي عرفت تقديم دعم سخي لتايبيه من خلال زيادة مبيعات الأسلحة والزيارات الدبلوماسية.
وفي حال قرر ترامب اتباع نهجٍ متشدد فهذا يعني أنه لن يغيّر كثيرًا في الأسس التي وضعها بايدن لاحتواء الصين عام 2022، والتي جاء فيها أنّ "الصين تسعى من خلال الجمع بين قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية إلى تحقيق منطقة نفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأن تصبح القوة الأكثر نفوذًا في العالم". ولقطع الطريق أمام الصين واحتوائها مجددًا حددت الاستراتيجية عدة مسارات على رأسها: "تحديث تحالفات واشنطن الإقليمية مع شركائها في المنطقة، وتعزيز الأمن، وبناء قوة إقليمية قادرة على الصمود في وجه التهديدات العابرة للحدود الوطنية".