هل يكفي مخزون القمح في سوريا لتأمين مادة الخبز للسكان؟
18 ديسمبر 2024
تواجه الحكومة الانتقالية السورية بعد هروب الرئيس المخلوع، بشار الأسد، إلى موسكو، واحدة من أكثر القضايا التي تهم المواطن السوري، والمتمثلة برغيف الخبز، الذي يُعد من أساسيات السلع اليومية للعوائل أصحاب الدخل المحدود، حيثُ أشار تقرير صادر عن مجموعة البنك الدولي إلى أن معدلات الفقر المدقع في سوريا وصلت إلى 69 بالمئة، مما كان له الأثر السلبي على "استنزاف قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار".
وكان من أوائل الخطوات التي اتخذتها بعد تسلمها مهامها الرسمية أنها ألغت نظام العمل بـ"البطاقة الذكية"، مشيرة إلى أنه أصبح بإمكان كل سوري الحصول على أربع ربطات خبر مؤلفة من 10 أرغفة في اليوم الواحد، وحددت سعر الربطة الواحدة بأربع آلاف ليرة سورية، ما يعادل 35 سنتًا. وقبل سقوط النظام كان السوريون يعتمدون على "البطاقة الذكية" للحصول على رغيف الخبز، والتي كانت تحدد نسبة إلى عدد أفراد العائلة الواحدة.
وفقًا لمجموعة آراء استعرضها موقع "العربي الجديد"، فإنه على الرغم من وجود بعض الازدحام بعد إلغاء العمل بنظام "البطاقة الذكية"، وانخفاض سعر الربطة الواحدة، شهد توزيع الخبز تحسنًا في معظم المحافظات، لكن سعرها يبقى مرتفعًا بالدخل المحدود، حيثُ تشير تقارير سابقة إلى معدل الأجور في سوريا كان يتراوح من 15 إلى 25 دولار أميركي في الشهر الواحد.
تواجه الحكومة الانتقالية السورية بعد هروب الرئيس المخلوع، بشار الأسد، إلى موسكو، واحدة من أكثر التي تهم المواطن السورية، والمتمثلة برغيف الخبز
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول المهندس الزراعي، يحيى تناري إن "القصة في زيادة الإقبال تعكس مخاوف فقط"، لافتًا إلى أنه لا يوجد "نقص حاد بالمخزون، كما أن عوائق إنتاج الرغيف تتلاشى تدريجيًا، سواء المشتقات نفطية أو الطحين والخميرة والعمالة".
ويوضح تنازي أن "مخزون سوريا من القمح، إنتاج العام الماضي والمستوردات المخزنة بصوامع حماة وحمص واللاذقية وطرطوس، تكفي سوريا لمدة عام"، مضيفًا أنه "وصل الإنتاج إلى أكثر من 1.5 مليون طن قمح بالإضافة إلى استيراد نحو 400 ألف طن، وهذه الكمية تقريبًا هي حاجة سورية السنوية".
ولفت تنازي إلى أن "الحكومة الانتقالية تركّز على قضية الخبز باعتبارها أولوية، كما تسارع لتأمين الخدمات بالتوازي مع كفاية الأسواق، وتحسين سعر صرف الليرة، فهذه المسائل تأتي أولًا، مع تأهيل المنازل والبناء، لعودة جميع المهجرين، وليشعر الجميع بفارق الحياة الجديدة".
من جانبها ترى المهندسة الزراعية، بتول الأحمد، في حديثها لـ"العربي الجديد" أن "إنتاج سوريا من القمح، وصل خلال تسعينيات القرن الماضي لنحو 5 ملايين طن، قبل أن يستقر وحتى قيام الثورة على نحو 4 ملايين طن، وقد يتراجع قليلًا، حسب المساحات المزروعة والظروف الجوية".
وتقدم الأحمد إحصائيات صادمة بشأن تراجع إنتاج القمح في سوريا منذ أكثر من 10 سنوات، والذي سجل انخفاضًا بنسبة 60 بالمئة، حييثُ "لم يتعد الإنتاج مليوني طن، موزعة على مناطق الجزيرة، الأكثر إنتاجًا بنحو مليون طن، وعلى مناطق المعارضة بنحو 300 ألف طن، ونحو 600 ألف طن بمناطق النظام".
وتنوه الأحمد إلى أن النظام السابق "كان يسد العجز من خلال مقايضة قمح الجزيرة الذي تتحكم به قسد، أو يشتريه بأسعار مخفضة عبر شركة قاطرجي، كما الموسم السابق حين اشترى أكثر من 700 ألف طن".
وكانت موسكو قد أعلنت تعليق إمدادات القمح الروسية إلى سوريا، مرجعة ذلك إلى ما وصفته بـ"الضبابية" بشأن الحكومة الانتقالية، بالإضافة إلى "مشكلات تتعلق بالدفع"، وبحسب وكالة "رويترز"، أظهرت بيانات شحن أن سفينتين محملتين بالقمح الروسي كانتا متجهتين إلى سوريا لم تصلا إلى وجهتهما.
وقالت مصادر من "الفرن الآلي الثاني" في مدينة دير الزور لمراسل شبكة "ألترا صوت" إن المدينة شهدت أزمة في تأمين مادة الخبر في الأيام الخمسة الأولى لسقوط نظام الأسد، بسبب قلة وجود الطحين في مستودعات المخابز، مضيفة أن أزمة الخبز انحسرت بعد وصول مخزونات الطحين إلى المخابز، لافتًا إلى أن آلية بيع الخبز تتم إما بشكل مباشر للمستهلك أو عبر الموزعين المعتمدين، وأكدوا أن الأزمة كانت لبضعة الأيام، وقد تم حلها حيث صار بإمكان المواطنين الحصول على الخبز من الأفران المعتمدة في المدينة.
🎥 دير الزور.. انفراج في أزمة رغيف الخبز مع عودة الفرن الآلي الثاني في حي هرابش للعمل. pic.twitter.com/ccGcmusnLP
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 17, 2024
من جانبه، يرى مدير مؤسسة الحبوب بحكومة الائتلاف، حسان محمد، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن كميات القمح الموجودة اليوم، بما في ذلك استيراد النظام السابق نحو 500 ألف طن، بالإضافة إلى شراء أكثر من 500 ألف طن من "قسد"، وما جرى استلامه في مختلف المناطق، "تكاد تكون كافية حتى موسم الحصاد المقبل"، وهو ما يعتبره غير "مبرر للمخاوف"، من وجهة نظره.
وتعليقًا على وقف ورادات القمح من روسيا، وإن كان هناك إمكانية لتعويضها من دول أخرى، في حال أوقفت موسكو تصدير القمح للحكومة الانتقالية الجديدة، يرى محمد أن "الاستيراد من روسيا كان يجري عبر بواخر بسعة 50 طنًا لعقود طويلة"، لافتًا إلى أن "أوكرانيا بديل أقرب وأرخص بالنسبة للسوريين، في حال وقف الصادرات الروسية نهائيًا".
وردًا على تعليق موسكو توريد القمح إلى سوريا، قال وزير الزراعة الأوكراني، فيتالي كوفال، الجمعة الماضي، لـ"رويترز" إن أوكرانيا ترغب في إمداد سوريا بالغذاء ومستعدة لذلك، بعد سقوط نظام الأسد، حيث تُصنف كييف في قائمة الدول المنتجة والمُصدرة عالميًا للحبوب والبذور الزيتية.