هل ينجح ماسك في تحقيق حلم بانون في تأسيس تكتل قومي متطرف عابر للحدود بأوروبا؟
7 يناير 2025
يبدو أن الملياردير الأميركي والعضو البارز في فريق الرئيس دونالد ترامب الحكومي، إيلون ماسك، وضع على عاتقه دعم اليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا، محاولًا بذلك، حسب مصادر عدة، إحياء مشروع، ستيف بانون، المستشار السابق لترامب، وقد بدأت العواصم الأوروبية في إبداء انزعاجها تواليًا من حشر ماسك لأنفه في شؤونها الداخلية، معتبرةً أن ذلك من شأنه أن يؤثر على ديمقراطياتها، وقد كانت البداية بألمانيا، وسارت على نهجها مؤخرًا النرويج.
ففي أحدث موقفٍ أوروبي من تدخلات مالك شركات تسلا وسبيس إكس، ومنصة إكس (تويتر سابقًا)، في الشؤون الأوروبية الداخلية، قال رئيس الحكومة النرويجي، يوناس غار ستورا، أمس الإثنين، في مقابلة متلفزة إنه "من المثير للقلق أن الرجل ـ ويعني ماسك ـ الذي يتمتع بإمكانية الوصول الهائل إلى وسائل التواصل الاجتماعي والموارد المالية الكبيرة، يتجه مباشرةً إلى التدخل في بلدان أخرى"، مؤكّدًا على هذا "ليس ما ينبغي أن تكون عليه الأمور بين الديمقراطيات والحلفاء"، في إشارة إلى موقف ترامب الذي يلوّح بفرض الرسوم الجمركية على واردت الحلفاء قبل "الأعداء".
بدوره انتقد الرئيس الإيطالي، سيرجيو متاريلا، تصريحات ماسك قائلًا: "يجب على أي شخص، وخاصةً أولئك الذين هم على وشك تولي دور حكومي مهم في دولة حليفة، احترام سيادة إيطاليا".
التأثير الإعلامي والمالي والسياسي لإيلون ماسك يثير مخاوف الأوروبيين في تحقيق مشروع التكتل اليميني المتطرف العابر لحدود أوروبا
اليمين المتطرف الشعبوي يثير إعجاب ماسك
من الملاحظ أنّ تصريحات ماسك المؤيدة للتيارات اليمينية المتطرفة تزايدت مع تكليفه من ترامب بمهمة ترشيد الإنفاق الحكومي في إدارته المقبلة، وكانت البداية بتصريح ماسك الذي عبّر فيه عن دعمه وإعجابه برئيسة الوزراء المتطرفة في إيطاليا، جورجيا ميلوني، التي أشاد بسياساتها المتعلقة بالهجرة، وبالتحديد لاختيار ميلوني "تشييد معسكريْ لجوء فوق الأراضي الألبانية"، واصفًا قضاة محكمة العدل الأوروبية الذين أوقفوا المشروع بالقصور، قائلًا إنه "يجب على هؤلاء القضاة (الإيطاليين) أن يستقيلوا".
وطالت مواقف ماسك المؤيدة لليمين المتطرف بريطانيا أيضًا، حيث عبّر عن دعمه فيها لحزب الإصلاح المتشدد، داعيًا رئيس الوزراء، كير ستارمر، للاستقالة من منصبه، والملك تشارلز إلى حلّ البرلمان.
وفي تطورٍ لتلك التصريحات والمواقف التدخّلية، قال ماسك إنّ "حزب البديل من أجل ألمانيا"، المعروف بمواقفه المتطرفة هو "وحده القادر على إنقاذ ألمانيا التي تقف على حافة انهيار اقتصادي وثقافي"، وفق تعبيره.
وفي محاولة واضحة لترويج "حزب البديل"، كتب ماسك مقالًا في مجلة "ديفيت" الألمانية المحافظة أشاد فيه بالبرنامج السياسي للحزب قائلًا: "يحمل برنامج حزب البديل من أجل ألمانيا مزيجًا من الحرية الاقتصادية، وتخفيض الضرائب، وتحرير السوق، كما أنّ لديه سياسة هجرة خاضعة للرقابة، تعطي الأولوية للاندماج والحفاظ على الثقافة والأمن الألماني، وهذا أمر لا يتعلق بكراهية الأجانب، بل بضمان عدم فقدان ألمانيا لهويتها في السعي لتحقيق العولمة"، وفق تعبيره.
ودفع ذلك أعلى مستوًى حكومي في ألمانيا إلى الرد، حيث اعتبر المستشار الألماني، أولاف شولتز، أن تصريحات ماسك تعكس "تدخلًا غير مقبول في الديمقراطية الألمانية"، مضيفًا "على الرغم من أنني غير منزعج من هجوم ماسك عليّ وعلى سياسيين ألمان آخرين، إلا أن الأمر الأكثر إثارةً للقلق من تلك الإهانات هو حقيقة أن ماسك يدعم حزبًا يمينيًا متطرفًا جزئيًا مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي يدعو إلى التقارب مع روسيا بوتين، ويسعى إلى إضعاف العلاقات عبر الأطلسي".
أمّا مرشح حزب الخضر ونائب المستشار شولتز في الحكومة الحالية، روبرت هابيك، فوجّه تحذيرًا شديد اللهجة لماسك، قائلًا له: "ابتعد عن ديمقراطيتنا، سيد ماسك"، مشيرًا إلى أن "الجمع بين الثروة الهائلة والسيطرة على المعلومات والشبكات يمثل تهديدًا مباشرًا للديمقراطية الألمانية".
إحياء مشروع بانون:
تعيد تصريحات ماسك إلى الذاكرة مشروع المستشار السابق لترامب في ولايته الأولى، ستيف بانون، الذي انبرى حينها لمهمة التدخل في الشؤون الأوروبية الداخلية، وكانت بوابته في ذلك أيضًا روما، وكان بانون يهدف حينها إلى إيجاد "أرضية تنسيق مشتركة لجهود معسكرات التطرف القومي الأوروبي"، حتى يتقبل الناخبون في البلدان الأوروبية خطاب اليمين، وعكس ذلك التقبّل وترجمته لاحقًا في صناديق الاقتراع.
ويرى المنتقدون لتصريحات ماسك المتعلقة بالشؤون الأوروبية الداخلية، أنّ النفوذ المالي والإعلامي والسياسي للملياردير الأميركي قد يحقّق حُلم بانون في "تأسيس تكتل قومي متشدد عابر للحدود في القارة العجوز"، وعلى خطى بانون، يبدو ماسك "ماضيًا في تفضيله أقطاب معسكر اليمين المتطرّف".