هوس بالنصر.. قضية المحتجزين في غزة تكشف عن تصدع داخل المجتمع الإسرائيلي
2 يناير 2025
مع استمرار الترقب بشأن نجاح أو فشل صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة حماس، وصلت التوترات الداخلية داخل إسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة.
ويشير الناشط السياسي الفلسطيني المقيم في مدينة يافا، عبد أبو شحادة، إلى أنه لم يسبق أن أصبحت قضية المحتجزين الإسرائيليين مسألة سياسية بهذا الشكل داخل المجتمع الإسرائيلي.
ويكتب في مقال على موقع "ميدل إيست أي"، أن هذه المرة، لا يقتصر الأمر على وجود خلافات بين القيادات السياسية، حيث يعبر بعض القادة اليمينيين علنًا عن استعدادهم للتضحية بالمحتجزين لتحقيق مكاسب عسكرية، بل إن عائلات المحتجزين نفسها ليست متفقة فيما بينها.
لم يسبق أن أصبحت قضية الرهائن الإسرائيليين مسألة سياسية بهذا الشكل داخل المجتمع الإسرائيلي
ولفت أبو شحادة إلى أنه في عدة مناسبات، تعرضت عائلات المحتجزين لهجمات حتى من المارة. وقال: "بينما كانت الانقسامات السياسية والاجتماعية موجودة منذ زمن طويل داخل المشروع الصهيوني، فإن هذه الأزمة الحالية تضرب بجذورها أعمق، مما يجبر على إعادة تعريف الصهيونية نفسها".
وبحسب الناشط الفلسطيني، تعكس هذه الأزمة أزمة مجتمعية وأيديولوجية عميقة، وتثير تساؤلات حول مستقبل الحكم في إسرائيل، لا سيما في ظل استمرار جهود اليمين المتطرف لإجراء إصلاحات قضائية شاملة.
🎥 تحولات إقليمية تدفع "إسرائيل" للتفاوض بشأن الأسرى pic.twitter.com/PA5aEviZ4f
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 3, 2024
وتأتي هذه "الأزمة الوجودية" في وقت تدّعي فيه إسرائيل أنها تعيد تشكيل الواقع الإقليمي. حيث تدفع إلى البقاء في لبنان على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على انسحابها، والاعتداءات في جنوب سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتثبيت وجودها بشكل منهجي في غزة.
التضحية بالرهائن
تشير هذه الخطوات إلى استراتيجية توسعية. وفي الوقت ذاته، أصبحت قضية المحتجزين الإسرائيليين قضية ثانوية، حيث تحول سرد التضحية بهم من أجل المكاسب العسكرية إلى واقع مقبول.
فكرة التضحية بالمحتجزين لتحقيق مكاسب عسكرية ليست جديدة في الأيديولوجية الصهيونية. فهي تعود إلى ما يعرف بـ"بروتوكول "هانيبال"، الذي يسمح بقتل الجنود بدلًا من أسره للتفاوض عليهم لاحقًا.
اليوم، يتجلى هذا النهج في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، كما يتم التضحية بـ"المحتجزين المدنيين"، الذين فشلت إسرائيل في إنقاذهم، رغم المفاوضات الجارية لإطلاق سراحهم. وفق كاتب المقال.
وهذا التحول ينبع من إعادة تعريف اليمين الماسوني لرموز "إسرائيل الثقافية"، متبنيًا "نهجًا إسبارطيًا"، يكيّف المجتمع على حرب دائمة. وباتت الرواية الآن تمجّد الموت والتضحية والهجمات العسكرية على حساب حياة المدنيين.
في حين أن الإجماع الإسرائيلي يدعم إلى حد كبير الإبادة الجماعية في غزة، فإن الجمهور لم يستوعب بعد التكاليف طويلة الأجل لهذا المسار.
ويلفت أبو شحادة، إلى أن الاستسلام لسياسات الانتقام لا يؤدي فقط إلى انقسام داخل المجتمع الإسرائيلي، بل يهدد أيضًا بعواقب دولية مدمّرة، مع ردود الفعل الدولية تجاه أفعال إسرائيل غير المقيّدة ضد السكان المدنيين.
كان وزير الأمن السابق ورئيس الأركان، موشيه يعلون، وهو شخصية يمينية متشددة، من بين الأصوات القليلة التي تحذر من هذا المسار. ووصف الوضع الحالي بأنه لحظة "تدمير الهيكل الثالث" بالنسبة لإسرائيل.
وفي حين اعترف بالتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل في شمال غزة، أشار أيضًا إلى أن هذه السياسات تقوّض "شرعية إسرائيل" وتحولها إلى دولة منبوذة.
🎥 رئيس دولة الاحتلال يحذر من تفكيك "إسرائيل" والحرب الأهلية pic.twitter.com/9BkV08D0QW
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 22, 2024
الاشمئزاز العالمي
بعد خمسة عشر شهرًا من هذه الحرب، بدأت إسرائيل تفهم الثمن الذي عليها دفعه. فجانب المخاطر على حياة المحتجزين، يواجه الإسرائيليون الآن تدهورًا في مستوى المعيشة، وإجراءات تقشف اقتصادي شاملة في موازنة عام 2025، ومقاطعات دولية، واشمئزازًا عالميًا من إسرائيل.
كما تلاشت النشوة التي كانت ترتبط بالإنجازات الإقليمية. والآن، لا تجلب الحملات العسكرية الواسعة سوى سنوات إضافية من الصراع المتزايد وتكاليف متصاعدة تُرهق الحياة في إسرائيل، خاصة مع التقارير التي تكشف عن الأثر النفسي للحرب على الجنود الإسرائيليين، الذين ينقلون العنف إلى منازلهم.
فقد أظهر تقرير صدر مؤخرًا صادر عن منظمة "نساء الصهيونية الدولية "WIZO "، ارتفاعًا بنسبة 65 بالمئة في حالات العنف الأسري خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب.
الصهيونية بين الوعد والواقع
ويسلط أبو شحادة الضوء على أن الفجوات بين القيادة الإسرائيلية والجمهور ليست سياسية فقط، بل تكشف عن شروخ جوهرية داخل الصهيونية نفسها. كانت الصهيونية تعد بـ"الأمن والازدهار الاقتصادي ووحدة اليهود".
أما اليوم، أدى التحول نحو سياسات اليمين إلى خلق انقسام لا يمكن تجاوزه بين ما تعد به الصهيونية وما تقدمه بالفعل. فالنخب الصهيونية العلمانية، التي كانت توجه إسرائيل عبر التعقيدات الإقليمية، استُبدلت بقيادات تفتقر إلى الكفاءة للتعامل مع هذه التحديات.
الغطرسة الصهيونية
الفشل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والهوس باستعادة "الردع" بأي ثمن مزّقا المجتمع الإسرائيلي، مما أدى إلى هجرة غير مسبوقة. ووفقًا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، غادر أكثر من 40 ألف إسرائيلي خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، بزيادة بنسبة 59 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ويمثل هؤلاء المهاجرون العمود الفقري الاقتصادي والفكري لإسرائيل.
أدى التحول نحو سياسات اليمين إلى خلق انقسام لا يمكن تجاوزه بين ما تعد به الصهيونية وما تقدمه بالفعل
ويحذّر الاقتصادي الإسرائيلي دان بن دافيد، من أن خسارة حتى نسبة صغيرة من هذه الفئة قد تشل الدولة. وبحسب أبو شحادة، شخصيات مثل بن دافيد ويعلون تمثل بقايا النخب القديمة التي فهمت أهمية التوازن بين الحملات العسكرية والحفاظ على جودة الحياة، والشرعية الدولية، والعلاقات الغربية القوية.
انهيار التوازن
اليوم، تلاشى هذا التوازن في بيئة عالمية غير مستقرة، تفاقمت بسبب الاضطرابات الإقليمية وعودة ترامب إلى الحكم. وقضية الرهائن تعكس تحولًا واسعًا داخل الصهيونية، وتكشف عن تصدعاتها، وتوفر فرصًا سياسية غير مسبوقة للفلسطينيين.
وكانت النخب الصهيونية تخفي جرائمها سابقًا بدبلوماسية بارعة، تتسم قيادة اليوم بالغطرسة وتجاهل المكانة الهشة لإسرائيل، قبل أن يختم أبوشحادة المقال بالسؤال: هل يستطيع الفلسطينيون استغلال هذه الغطرسة لصالحهم؟