وسط إرهاصات التخلي الأميركي عن كييف.. أي مصير لمبادرة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية؟
1 يمشي 2025
دخلت مبادرة السلام التي تقودها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية نفقًا مظلمًا، بعد المشادة الكلامية التي وقعت في البيت الأبيض، أمس الجمعة، بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وفي حال لم يرضخ الرئيس الأوكراني لطلبات الإدارة الأميركية، وعلى رأسها فكرة التخلي عن الضمانات الأمنية التي يُصرّ عليها زيلينسكي قبل توقيع أي اتفاق سلام، بل وحتى على ما يبدو، قبل توقيع اتفاقية المعادن النادرة المثيرة للجدل بين بلاده وواشنطن، فإنه من غير المستبعد أن تقوم إدارة ترامب بسحب الدعم الأميركي لكييف. وسيكون ذلك الأمر، إن حدث، بمثابة إعلانٍ صريح بتخلي الولايات المتحدة عن الحليف الأوكراني في زمن الحرب.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ أحد الأهداف الرئيسية من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومن بعده رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لواشنطن هذا الأسبوع، كان "ضمان أن لا تتخلّى الولايات المتحدة عن أوكرانيا".
تستضيف العاصمة البريطانية لندن غدا الأحد قمة أوروبية بحضور زيلينسكي لمناقشة الدعم الأمني لأي اتفاق سلام بين موسكو وكييف
وقد تنفّس الأوروبيون الصعداء قليلًا بموافقة ترامب على لقاء زيلينسكي ونقاش الضمانات الأمنية التي تريدها كييف، مقابل توقيع صفقة المعادن النادرة كتعويض للولايات المتحدة عن دعمها للمجهود الحربي الأوكراني بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية.
لكنّ ما جرى بالأمس نسف تقريبًا كلّ الآمال المعقودة على إذابة الجليد بين ترامب والأوكرانيين، لتطغى على الأجواء، في المقابل، حالة من الترقب والخوف من أن يتكرّر سيناريو الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي عام 2008 مع الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي حاليًا. فعلى الرغم من أنّ أكثر من عاصمةٍ أوروبية عبّرت عن مواصلة دعمها لكييف ولمجهودها الحربي حتى بعد المشادّات الكلامية والتباين الواضح في الرؤى بين ترامب وزيلينسكي، إلا أنه من المستبعد أن تنخرط تلك العواصم بشكلٍ مستقل أو جماعي في الحرب المباشرة مع روسيا، وهذا ما كلّف ساكاشفيلي حينها خسارة بلاده لمقاطعتيْ أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. ولولا المساعي التي بذلها الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي عند الروس، الذين استقبلوه في الكريملن حينها، لكانت القوات الروسية أسقطت حكم ساكاشفيلي في العاصمة تبليسي التي وصل الجيش الروسي إلى مشارفها، دون أن يحرّك حلف شمال الأطلسي الناتو أي قوّات لنجدتها.
السلام: مرهون بضمانات عند كييف وباتفاق المعادن عند ترامب
قال السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام، إنه "حذّر زيلينسكي قبل الاجتماع مع ترامب من التركيز كثيرًا على الاتفاق المطروح للسلام، ووجّهتُه نحو تأجيل مناقشة الضمانات الأمنية ووقف إطلاق النار إلى وقت لاحق"، ويرى غراهام أنه بات من الصعب على "واشنطن أن تتعامل مع زيلينسكي في المستقبل"، بعد الذي جرى يوم أمس.
يبدو أنّ زيلينسكي أخطأ في الحسابات، فقد اعتبر اجتماع البيت الأبيض، فرصةً ثمينة لإقناع إدارة ترامب بعدم الانحياز إلى روسيا، خاصة أنه جاء بعد تمهيدٍ فرنسي ـ بريطاني للأجواء، وبعد اكتمال المناقشات المتعلقة باتفاق المعادن، بل والتوصل إلى مسودة للاتفاق.
"خلال اللقاء، تجلت وجهة نظر الرئيس الأميركي التي تدعو إلى إلغاء النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. ففي إطار حديثه، أكد أنه يرى في التحالفات التقليدية عبئًا، وأنه من الضروري الانتقال إلى "مفاوضات القوة"، التي تضع مصلحة الولايات المتحدة في المقام الأول".
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 1, 2025
تقرؤون… pic.twitter.com/U9GOfHBaQn
لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه سفن زيلنسكي، فقد وجد نفسه عرضةً لانتقادات قوية من الرئيس الأميركي ونائبه، بعدم إظهار الاحترام الكافي للولايات المتحدة الأميركية ومكانتها، وذلك بعد تشديده على ضرورة عدم تقديم أي تنازلات للرئيس الروسي فلاديمير بوتن وعدم الثقة بما يقوله.
وكانت نتيجة سوء حسابات زيلينسكي، أنّ ما سمتها، وكالة رويترز، بدراما المشادة الكلامية، دفعت العلاقات "مع أهم حليف لكييف في زمن الحرب إلى مستوى جديد من الانحدار"، كما قوّضت جهود الزعماء الأوروبيين لإقناع ترامب بتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا. فبحسب مسؤولين تحدثوا للوكالة، فقد طُلب من زيلينسكي مغادرة البيت الأبيض على وجه السرعة. وبذلك تُرك اتفاق المعادن دون توقيع، مع العلم أنّ كييف والعواصم الأوروبية الكبيرة، كانت تعلق آمالًا عريضة على هذا الاتفاق في إنقاذ العلاقات الأميركية الأوكرانية من التدهور.
وقد نقلت رويترز عن مسؤول كبير في البيت الأبيض قوله "إن ترامب غير مهتم بإعادة النظر في صفقة المعادن في الوقت الحالي"، وهدد ترامب بدلًا من ذلك بسحب الدعم الأمريكي من أوكرانيا. مع ما يعنيه ذلك من إمكانية التفريط بما أنجزه الأوكرانيون طيلة الأشهر الماضية، بدءًا باستعادة مساحات شاسعة من الأراضي عام 2022، وصولًا إلى توغل القوات الأوكرانية في عمق الأراضي الروسية، وسيطرتها على مناطق في كورسك الروسية 2024.
يشار إلى أن ترامب قال بعد لقائه بالرئيس الأوكراني إن "زيلينسكي غير مستعد للسلام"، مضيفًا أنّ عليه "أن يُدرك أنه يخسر الحرب"، معتبرًا في ذات الوقت أن بإمكان زيلينسكي العودة للبيت الأبيض عندما "يكون مستعدًّا للسلام" دون شروط أو إملاءات، لأن زيلينسكي ببساطة حسب ترامب ليس في موقع يسمح له بذلك، كما أنّ واشنطن، ليست مستعدة في ظل إدارة ترامب، للانحياز إلى أوكرانيا على حساب روسيا، بل تطمح إلى تعويض ما بذلته من دعم سابق.
أما الرئيس زيلينسكي، الذي ظهر بعد ذلك في لقاء مع قناة فوكس نيوز المقربة من إدارة ترامب، فقد أقرّ بأسفه على ما جرى، معتبرًا أنه بالإمكان إصلاح العلاقات الأميركية الأوكرانية، لأنها ببساطة تتجاوز، وفق قوله، حدود الرئيسين، مؤكدًا أنه "لا يريد أن يخسر الولايات المتحدة كصديق وشريك"، معترفًا بأنه "من الصعب الانتصار على روسيا والتصدي لها دون الدعم الأميركي"، مضيفًا "ولكن لا يمكننا أن نخسر قيمنا وشعبنا. لا يمكننا أن نخسر حريتنا".
من الواضح أن زيلينسكي غير مستعدّ لإمضاء اتفاقٍ على بياض مع إدارة ترامب، ويعوّل الرئيس الأوكراني في تحقيق هدف الضمانات الأمنية، على مواقف الحلفاء الأوروبيين من جهة، وتماسك الجبهة الداخلية الأوكرانية من جهة ثانية، والتباينات الموجودة داخل الجمهوريين في الولايات المتحدة من جهة أخرى.
مواقف أوروبا:
تحرّك زيلينسكي سريعًا لحشد الدعم الأوروبي لمواقفه، فبعد المشادات التي حدثت في البيت الأبيض، أجرى سلسلة محادثات هاتفية، وفقًا لرويترز، مع "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي أنطونيو كوستا"، ولعلّ هذا ما يفسّر خروج الرسائل المؤيدة للموقف الأوكراني بشكلٍ متزامن من أكثر من عاصمة أوروبية أمس الجمعة واليوم السبت.
من الواضح أن زيلينسكي غير مستعدّ لإمضاء اتفاقٍ على بياض مع إدارة ترامب
فمن باريس قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن "روسيا هي المعتدية، والأوكرانيون هم الشعب المعتدَى عليه، وفرنسا كانت على صواب عندما عاقبت روسيا وساعدت أوكرانيا، وستواصل فعل ذلك"، ومن برلين أكّد المستشار الألماني أولاف شولتس أن بإمكان أوكرانيا "الاعتماد على ألمانيا وعلى أوروبا"، وعلى ذات المنوال قال المرشح لمنصب المستشار فريدريش ميرتس إنه "لا ينبغي أن نخلط بين المعتدي والضحية في الحرب، وألمانيا تقف إلى جانب أوكرانيا في كل وقت".
بدورها أشادت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بموقف زيلينسكي في البيت الأبيض، قائلة: "كرامتك اليوم هي تكريم لشجاعة الشعب الأوكراني. كن قويًا وشجاعا. أنت لست وحدك أبدا، وسنواصل العمل معكم من أجل سلام عادل ودائم"، وتكررت ذات النبرة والمضمون في رسائل كل من رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون والبولندي دونالد توسك والإسباني بيدرو سانشيز والنرويجي يوناس غار ستور والكندي جاستن ترودو..إلخ.
ومن المنتظر أن تنعكس هذه المواقف في إجراءات وقرارات عملية، في القمة التي تستضيفها بريطانيا غدًا الأحد بحضور زيلينسكي، حيث سيناقش الأوروبيون، حسب رويترز، "الدعم الأمني لأي اتفاق سلام بين موسكو وكييف". فهل تُقدّم أوروبا لزيلينسكي ما عجزت عن توفيره لساكاشفيلي؟