وسط شكوك حول اتفاق المعادن مع كييف: ترامب متردد ما بين مقترحات ويتكوف وكيلوغ
12 ابريل 2025
سلّط تقريرٌ لوكالة "رويترز" وآخر لصحيفة "تايمز" البريطانية الضوء على الانقسام داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن كيفية كسر الجمود في مفاوضات السلام بين موسكو وكييف، الهادفة إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات.
ففي حين يدعو المبعوث الأميركي الخاص، ستيف ويتكوف، علنًا إلى تبني استراتيجية تقضي بتسليم أربع مناطق في شرق أوكرانيا لروسيا (لوغانسك، دونيتسك، زاباروجيا، وخيرسون)، يدفع المبعوث الأميركي إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ، باتجاه استراتيجية أكثر انحيازًا لكييف، تقوم على تعزيز سيطرة حلفائها داخل أوكرانيا، من خلال توفير "ضمانات أمنية" تطالب بها كييف، عبر السماح لقوات أوروبية —فرنسية وبريطانية أساسًا— بالتواجد داخل البلاد، وهي خطوة تعتبرها موسكو خطًا أحمر.
وحتى الآن، لم يحسم ترامب موقفه من أي من المقترحين، رغم أن خطة ويتكوف قوبلت بانتقادات من حلفاء أوكرانيا ومن بعض الجمهوريين، الذين اتهموه بالانحياز إلى روسيا، وطالبوا بإبعاده عن الملف وتكليف وزير الخارجية ماركو روبيو بإدارته بدلًا منه.
في السياق نفسه، أشارت وكالة رويترز إلى تصاعد التوتر بين الوفدين الأميركي والأوكراني خلال مفاوضات "صفقة المعادن النادرة"، مستبعدةً تحقيق أي اختراق قريب في هذا الملف الشائك.
يلعب ستيف ويتكوف دورًا محوريًا ومتناميًا في السياسة الخارجية لإدارة ترامب، فبالإضافة لدوره في المحادثات الروسية الأوكرانية، فإنه يضطلع بأدوار تفاوضية مهمة في ملفات أخرى ذات أولوية قصوى في مجال الأمن القومي الأميركي، على غرار التفاوض بشأن ملف إيران النووي والحرب الإسرائيلية على غزة.
مقترح كيلوغ
نشرت صحيفة "تايمز" البريطانية، اليوم السبت، تفاصيل مقترح قدّمه المبعوث الأميركي إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ، يقضي بإنشاء مناطق سيطرة للحلفاء الأوروبيين داخل أوكرانيا.
ويرى كيلوغ أن "أوكرانيا ما بعد الحرب قد تشبه برلين بعد الحرب العالمية الثانية، حين قُسّمت إلى أربع مناطق: روسية، فرنسية، بريطانية، وأميركية"، في إشارة إلى إمكانية نشر قوات أوروبية على الأراضي الأوكرانية بعد انتهاء الحرب. ويقترح كيلوغ أن يكون نهر دنيبرو هو الحد الفاصل بين القوات الأوروبية والروسية، باعتباره حاجزًا طبيعيًا كبيرًا، شبيهًا بجدار برلين الذي فُرض عام 1961 وأزيل عام 1989 مع سقوط الاتحاد السوفييتي.
وكانت فرنسا وبريطانيا، اللتان تقودان مبادرة تقديم "ضمانات أمنية" لكييف، قد أعربتا عن رغبتهما في نشر قوات في أوكرانيا ضمن أي تسوية نهائية للصراع.
ويعتقد كيلوغ أن وجود قوة أوروبية مسلّحة غرب نهر دنيبرو لن يُعتبر استفزازًا لروسيا، لكنه في المقابل يمنح كييف ضمانة أمنية حقيقية. ولتشجيع موسكو على قبول المقترح، يقترح كيلوغ إنشاء منطقة منزوعة السلاح بين روسيا وأوكرانيا بعرض 15 كيلومترًا، معتبرًا أنه يمكن مراقبتها "بسهولة تامة".

مقترح ويتكوف
يلعب ستيف ويتكوف دورًا محوريًا ومتزايدًا في رسم معالم السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفقًا لوكالة "رويترز"، إذ لا يقتصر دوره على الملف الأوكراني الروسي، بل يضطلع أيضًا بمهام تفاوضية حساسة في ملفات أمن قومي أخرى بالغة الأهمية، كالاتفاق النووي الإيراني والحرب الإسرائيلية على غزة.
في السياق الأوكراني، طرح ويتكوف لأول مرة فكرة التنازل عن المناطق الأوكرانية الأربع: لوغانسك، ودونيتسك، وزاباروجيا، وخيرسون لصالح روسيا، وذلك خلال مقابلة بودكاست أجراها في أذار/مارس الماضي مع الإعلامي المحافظ تاكر كارلسون. وقد برر ويتكوف موقفه بالقول إن هذه المناطق "ناطقة بالروسية"، مضيفًا أنها "شهدت استفتاءات أظهرت رغبة الغالبية العظمى من السكان بالانضمام إلى روسيا".
وقد أثارت تصريحاته صدمة في أوساط الأمن القومي الأميركي، إذ رأى عدد من المسؤولين أن خطابه يُحاكي رواية موسكو الرسمية، بحسب ما نقلت "رويترز".
وأعربت كييف عن رفضها القاطع لتصريحات ويتكوف، ولم تقتصر الانتقادات عليه من الجانب الأوكراني فقط، بل طالته أيضًا انتقادات داخل الإدارة الأميركية، وداخل الحزب الجمهوري، فضلًا عن اعتراضات واسعة من الديمقراطيين الذين رأوا في التصريحات انعكاسًا لنهج منحاز لموسكو تنتهجه إدارة ترامب.
وتنقل "رويترز" عن مصادر مطلعة أن الجنرال كيث كيلوغ، مبعوث ترامب إلى أوكرانيا، عارض علنًا مقترحات ويتكوف خلال أحد الاجتماعات المغلقة، مشددًا على أن أوكرانيا – رغم استعدادها للتفاوض حول بعض القضايا المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها – فإنها لن تقبل أبدًا بالتنازل أحادي الجانب عن سيادتها على تلك الأراضي لصالح روسيا.
وبحسب المصادر، فقد انتهى الاجتماع من دون أن يتخذ ترامب قرارًا نهائيًا بشأن مراجعة أو تغيير الاستراتيجية الأميركية تجاه الملف الأوكراني.

أفادت وكالة "رويترز" بأنّ عددًا من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس تواصلوا مع مستشار الأمن القومي مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو، منددين بمواقف المبعوث الخاص ستيف ويتكوف وتصريحاته. وبلغت الاعتراضات حدًّا دفع أحد كبار المانحين للحزب الجمهوري، وهو إريك ليفين، إلى توجيه رسالة بتاريخ 26 آذار/مارس إلى مجموعة من المانحين الجمهوريين، دعا فيها إلى إقالة ويتكوف وتكليف وزير الخارجية ماركو روبيو بملف أوكرانيا بدلًا منه.
ويُشار إلى أنه بعد أيام قليلة من مقابلة ويتكوف مع تاكر كارلسون، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال، التابعة لمجموعة "نيوز كورب" المملوكة لروبرت مردوخ، مقالَ رأي بعنوان: "ستيف ويتكوف يقف إلى جانب الكرملين".
اتفاق المعادن النادرة في خطر
سادت أجواء مشحونة وعدائية، وفقًا لـ"رويترز"، الاجتماع الذي عُقد يوم الجمعة في واشنطن بين مسؤولين أميركيين وأوكرانيين لبحث صفقة التعاون بشأن المعادن النادرة. وأرجعت مصادر مطلعة تحدثت إلى "رويترز" توتر الأجواء إلى تقديم الجانب الأميركي مسودة اتفاق جديدة، تضمنت منح واشنطن امتيازات إضافية في الوصول إلى الثروات المعدنية الأوكرانية. من بين أبرز بنود المسودة: إلزام أوكرانيا بوضع جميع عائدات استغلال شركاتها الحكومية والخاصة للموارد الطبيعية في صندوق استثماري مشترك مع الولايات المتحدة.
وقد اعتبر الجانب الأوكراني هذه البنود "مبالغة في الاستغلال"، خاصةً أن المسودة المقترحة لم تتضمن أي إشارة، ولو رمزية، إلى مسألة الضمانات الأمنية التي تطالب بها كييف منذ بدء المفاوضات.
ومن بين النقاط التي فاجأت الوفد الأوكراني، وفقًا لرويترز، مطالبة الجانب الأميركي بمنح "شركة تمويل التنمية الدولية" التابعة للحكومة الأميركية حق السيطرة على خط أنابيب الغاز الطبيعي التابع لشركة "غازبروم" الروسية، والمار عبر الأراضي الأوكرانية نحو أوروبا.
في ظل هذه المستجدات، يُستبعد، بحسب مراقبين، أن تُتوّج مفاوضات "المعادن النادرة" باتفاق قريب، وهو ما قد ينعكس سلبًا على مفاوضات السلام الرامية إلى إنهاء الحرب. ويُخشى، في هذا السياق، أن تلجأ إدارة ترامب، في إطار ممارسة ضغوط إضافية على كييف، إلى تبنّي مقترح ويتكوف الداعي للاعتراف بالسيادة الروسية على المناطق التي تسيطر عليها موسكو في أوكرانيا.