الوجه المظلم في حياة نجوم الرياضة.. خطاب الكراهية في عصر السوشيال ميديا
10 يمشي 2025
في عام 2022، تقدّم اللاعب الإنجليزي ماركوس راشفورد عبر محام قام بتوكيله في محافظة المنصورة في مصر، بدعوى قضائية ضد طالب مصري يُدعى محمد عصام، بتهمة إرسال رسالة " كراهية وعنصرية " للّاعب عبر أحد حساباته على مواقع التواصل.
وقد قضت لاحقًا محكمة جنح المنصورة الاقتصادية بإسقاط التهم وتبرئة الشاب المصري من التهمة الموجّهة إليه، فيما تفاعلت القضية بشكل واسع في صفوف الناشطين المصريين وانقسمت الآراء حولها.
معظم التعليقات استغربت كيف أن لاعبًا بقيمة ماركوس راشفورد يلعب في أحد أعرق الأندية في العالم يومها، ويمثّل منتخب بلاده إنجلترا في أعظم المحافل الكروية، يتوقّف عند رسالة عابرة من مستخدم مجهول يقطن بعيدًا آلاف الكيلومترات عن مدينة مانشستر، وهو الأمر الذي عدّه كثيرون استخفافًا بمشاعر اللاعب وتقليل من أهمية خطورة التنمر والسخرية عبر الانترنت على الحالة النفسية والذهنية لديه.
يجد اللاعبون صعوبة في فصل حياتهم الشخصية عن الحيّز العام، وتتعرض عائلاتهم أحيانًا لمضايقات وتعليقات مسيئة تصل أحيانًًا إلى التهديد بالقتل
وكان راشفورد قد نشر في العام 2021 تغريدة على موقع إكس، أكّد فيها تلقيه أكثر من سبعين افتراءً عنصريًا على صفحاته حتى حينه، متوجهًا إلى أصحاب هذه التعليقات بالقول: "تجعلونني أشعر بالسوء أكثر ممّا أشعر به في الحقيقة. حظًا موفّقًا بالمحاولة".
At least 70 racial slurs on my social accounts counted so far. For those working to make me feel any worse than I already do, good luck trying 👍🏾
— Marcus Rashford (@MarcusRashford) May 26, 2021
وقد نشر اللاعب بعضًا من هذه التعليقات، من بينها تعليق لمستخدم يقول لراشفورد إنه يستحق ما يٌقال له لأنه شخص مريع.
— Marcus Rashford (@MarcusRashford) May 26, 2021
تعدّ كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم لناحية المشاهدة أو الممارسة، وبفارق كبير عن باقي الرياضات، يمارسها عشرات ملايين الأطفال حول العالم بشكل يومي، ويدغدغ مخيلتهم حلم احتراف اللعبة وتمثيل أندية النخبة، بالنسبة لهم احتراف الكرة يعني المال والشهرة والأضواء، بالإضافة إلى المتعة والشغف الكبيرين واللعب أمام جماهير غفيرة.
وبالرغم من ذلك، لا يشعر جميع لاعبي كرة القدم بالسعادة العارمة، بل أن بعضهم يعتزل في سن مبكر ويبحث عن نمط حياة آخر، بسبب نظام الحياة الصحي الصارم والإصابات المؤلمة والضغوطات الجماهيرية وسقف التوقعات المرتفع كل الوقت، بالإضافة إلى المضايقات التي يتعرّضون لها من جماهير الفرق الأخرى وحتى من جماهير الفريق نفسه، كذلك يجد اللاعبون صعوبة في فصل حياتهم الشخصية عن الحيّز العام، وتتعرض عائلاتهم أحيانًا لمضايقات وتعليقات مسيئة تصل أحيانًًا إلى التهديد بالقتل.
لطالما تعرّض لاعبو الكرة لمضايقات من الجماهير، فعلى سبيل المثال، إن انتقال لاعب إلى صفوف الفريق الخصم سيجعله خائنًا بنظر الجماهير التي ستصبّ غضبها عليه، وسيتعرض لكل أنواع الإساءات والإهانات الممكنة، اليوم، وفي ظل الطفرة في عالم الاتصالات ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، بات بمقدور المستخدمين التواصل بشكل مباشر ودائم مع اللاعبين والمدربين، من خلال ترك التعليقات على المنشورات أو إرسال الرسائل عبر البريد، وصحيح أن معظم النجوم يعيّنون موظفين لإدارة صفحاتهم، إلا أن عددًا كبيرًا منهم يخصص وقتًا لصفحاته ويطلع على التعليقات وعلى بريده الإلكتروني.
موقع «بوديغارد» المتخصص بحماية مستخدمي وسائل التواصل من حملات الكراهية والتنمّر، نشر في عام 2022 مقالةً تحت عنوان: " كيف يؤثّر التنمر عبر وسائل التواصل على الحالة الذهنية للاعبين"، أشار الكاتب من خلاله إلى صعوبة وقف خطاب الكراهية ضد اللاعبين عبر الانترنت، فبعكس " الرسائل اللئيمة" التي تظهر في المدرجات عبر الهتافات أو من خلال الملصقات، يمكن للكارهين أن يلحقوا بالرياضي اليوم طوال الوقت من خلال ترك تعليقاتهم عبر صفحاته.
وبحسب المقالة نفسها، فإن 65% من جمهور الرياضة يتابعون صفحات اللاعبين ويشاهدون مقاطع الفيديو ويقومون بترك آرائهم الشخصية، حتى وإن احتوت هجومًا على اللاعبين بشكل شخصي، وبالنسبة للرياضي فإنه من المستحيل أن لا يأخذ هذه التعليقات على محمل الجد، وهي مؤلمة ويمكن أن يكون لها تأثير سلبي على ثقة الرياضي بنفسه واحترامه لذاته.
وتخلص المقالة إلى أن إقفال الرياضيين لصفحاتهم تجنبًا للتعليقات المسيئة ليس حلًا عمليًا، فهم لهم الحق الكامل بالتواجد في الفضاء الافتراضي والتفاعل مع جمهورهم.
لاعبون لا يمتلكون حسابات على الانترنت
لا يمتلك الإسباني رودري متوسط ميدان نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، وحامل الكرة الذهبية حاليًا، أية حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، يقرّ بإنه مقتنع بهذا الأمر بشكل كامل، ويقول أفضل لاعب في يورو 2024 إنه لا يرغب بإنشاء صداقات جديدة عبر النت، فهو يكتفي بأصدقائه من الحياة الحقيقية، وأن الشعور الجيد الذي تعطيه وسائل التواصل لنجوم الكرة من إطراء وإعجاب هو بغنى عنه.
لا ينكر رودري أهمية وسائل التواصل بالنسبة للاعبين الذي يمتلكون صفحات عبر الإنترنت، ويفهم أنهم يرون الأمور من زاوية جيدة، لكنه لا يحبّذ الأمر، لقد اختار الأمر منذ سنوات طويلة وهو مصرّ على رأيه.
تعليقات عنصرية بسبب إهدار ركلات ترجيحية
خسرت إنجلترا نهائي يورو 2020 أمام إيطاليا بالركلات الترجيحية، بعدما أهدّر كلّ من سانشو وراشفورد وساكا الركلات الخاصة بهم، اللاعبون الثلاثة هم من أصحاب البشرة السمراء، وقد انهالت عليهم التعليقات العنصرية القاسية بعد المباراة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من بينها تشبيههم بالقرود والطلب منهم العودة من حيث أتوا ( أي عنصرية بسبب لون بشرتهم وباعتبارهم من أبناء المهاجرين).
وكالة «أسوشيتد برس» نقلت دراسة عن «الفيفا»، أشارت إلى أن أكثر من 50 بالمئة من اللاعبين المشاركين في بطولتي يورو 2020 وكأس إفريقيا 2021، تلقوا إساءات عبر أكثر من 400 ألف منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أكثر من ثلث هذه الإساءات كان ذا طبيعة عنصرية.
كما تلقى كيليان مبابي رغم تحقيقه لقب هداف مونديال 2022 وزميله كينغسلي كومان، تعليقات عنصرية من داخل فرنسا عبر وسائل التواصل، إثر خسارة المباراة النهائية لكأس العالم أمام الأرجنتين بالركلات الترجيحية.
وقبل سنوات، أكّد المدافع الإنجليزي كريس سمولينج، والذي سبق له تمثيل مانشستر يونايتد الإنجليزي وروما الإيطالي، أن عددًا من زملائه اللاعبين أخبروه بأنهم أغلقوا صفحاتهم عبر مواقع التواصل، وأخذوا راحة مؤقتة لأنهم شعروا بأن التعليقات السلبية تصيبهم بالإزعاج، وقال لاعب نادي الفيحاء السعودي حاليًًا في مقابلة مع شبكة «بي بي سي» : "تركت صفحات التواصل منذ عدة سنوات، وعاد هذا الأمر بنتائج جيدة بالنسبة لي، عليك ان تنظّم وقتك ومتابعة التعليقات مع الوقت يصبح أشبه بالإدمان، وكما التعليقات الجيدة، فإن التعليقات السيئة ستظهر لو مهما فعلت".
وقد ذكر تقرير للشبكة نفسها أن 643 لاعبًا في إنجلترا حصلوا في العام 2019 على الخدمات النفسية الاستشارية التي يقدّمها الاتحاد الإنجليزي للّاعبين الذي يتعرضون للأذى النفسي بسبب التعليقات السلبية عبر مواقع التواصل، وقد صرّح مايكل بينيت، مدير شؤون رعاية اللاعبين في رابطة اللاعبين المحترفين، بأن معظم اللاعبين لديهم 50 أو 60 وحتى مئة ألف متابع، وإذا كان اللاعب سيتلقى تعليقات سلبية من جزء منهم، فسوف يؤثّر ذلك عليه بشكل مؤكد.
وكان اللاعبون المحترفون في إنجلترا قد قاطعوا وسائل التواصل في العام 2019 لمدة 24 ساعة، احتجاجًا على الطريقة التي تعاملت بها منصات مواقع التواصل والسلطات الكروية على السخرية والعنصرية.
وضمن السياق نفسه، قام نجم كرة القدم الفرنسية المعتزل تييري هنري بإغلاق صفحاته عبر مواقع التواصل في العام 2021، رفضًا لخطاب الكراهية الذي يتعرّض له اللاعبون والمؤثرون في مجال كرة القدم والرياضة، والطريقة السيئة التي تتعامل فيه المنصّات الكبرى مع الأمر، واعتبر بطل مونديال 1998، أن الحجم الهائل من التنمّر والخطاب العنصري وما ينتج عن ذلك من تعذيب للأفراد الذين يتلقّون هذا الخطاب، هو أمر سام للغاية بشكل لا يمكن تجاوزه، ويرى تييري هنري إنه من السهل إنشاء حسابات على مواقع التواصل يكون هدفها التنمّر ومضايقة الأشخاص، مؤكّدًا على أنه سيلتزم بقراره إلى أن يتغيّر هذا الأمر.
الذكاء الاصطناعي في خدمة التنمّر
أعدت جامعة «الكلية الدولية للإدارة» الأسترالية دراسة في الصيف الماضي حول التنمّر التي يتعرّض له الرياضيون عبر مواقع التواصل، حيث تمت متابعة تغريدات على موقع إكس لـ161 رياضيًا يشاركون في أولمبياد طوكيو 2020، بيّنت وجود 132 تعليقًا مسيئًا كتبها 119 مستخدمًا، أكثر من نصفها كان متحيّزًا جنسيًا وعنصريًا، و70% منها كان موجهًا ضد النساء.
وتخوّفت الدراسة من استخدام الذكاء الاصطناعي اليوم لمهاجمة الرياضيين، من خلال خلق النكات ومقاطع الفيديو الساخرة والتعليقات الجنسية والعنصرية، مع صعوبة ملاحقة منتجيها أو السيطرة عليها.