البعض منا يهرب من الواقع إلى الكتابة، طنًا أن بإمكان ما يكتبه المساهمة ولو بجزء بسيطًا في تغيير المستحيل، لكن في الحقيقة حتى ما يكتب لا يؤثر على المجتمع. لم أسمع أن لوحة استطاعت أن تؤثر في الرأي العام في منطقتنا العربية، أو حتى كتابًا نال انتشارًا

مجموعة "وجوه تملأ ساعة المحطة".. المراوحة بين جرحين وانتصار للحياة
القارئ لمجموعة "وجوه تملأ ساعة المحطة"سيلاحظ هشاشة الروح لدى الشاعر، وكمّ الخيبات والانكسارات واليأس الذي حاصر مشاعره في ماض قاسٍ وحاضر لا يقل لا يقل عنه قسوة

ألعق أصابعي كذبابة منتصرة
ما فائدة المشي بين الأشجار؟/ ولم أعدْ ذلك الصبي التواق للتربة/ ولم أعدْ بدويًا/ وقد تركت وشاحي في أرض المعركة/ رايةً/ تجرُّ جثة الماضي ولا تقدر/ في هذه المدينة/ سقطت يوم سقط يوسف/ ولم يدركني السيارة بعد/ كقناص محترف/ أحشو السنين في مخزني بعجالة

"النضيدة " قصيدة الأم
يقولون إن جدي الكبير كان عازف مزمار ويلقي القصيد في الأفراح، ومن حينها حملنا اسمه كلعنة. يقولون "بيت الشاعر" في الطرف الشمالي من المدينة، ولا يزالون بيتًا للشاعر رغم الحرب والحداثة. أقول: فُرّقت أبياتنا الحرب وضاع الوزن والقافية

رائحة الحديد
سيكون لي وجهًا مجعدًا كخطوط الأرض بعد شوط الحراثة الأخير وأردد في كل خيبة: ألا ليت الشباب يعود يومًا. أتدرون؟ لقد أرهقتني الفكرة، أنا الآن على أعتاب الثلاثين وهذا يكفي. قرص "البنادول" الذي أخذته قبل ساعتين بدأ يتراجع أمام ضربات الألم المقيمة

الريحان طفل النافذة اللقيط
عن الحذاء عندما كان نافعًا لأسقاط مشمشة ناضجة/ عن الحذاء عندما سُرق من بيت الله/ عن الحذاء عندما كان سلاحًا في أيدي الأمهات/ عن الحذاء العالق على شجرة التوت العملاقة/ عن الأحذية القليلة المتجذرة بتربة تألفها/ عن الأحذية الكثيرة عندما أدمنت الترحال

رسائلي الأخيرة
المسافة لا تقاس بالأمتار بل بالأشتياق/ والوقت يركض يسابق الوقت/ كالزئبق/ تتملصين حتى من أحلامي/ نعم/ ربما سيكون لنا شتاء آخر/ */ درب الصمود يمر من الوشم أسفل ذقنكِ/ أيتها العابرة من زمن الرصاص/ اخبزي اللقاء/ فالجوع أضنانا

زوّار المحطات
مؤخرًا اشتريت قفصًا أنيقًا/ نويت الإقامة فيه لكنه لم يتسع لأوهامي/ فاكتفيت بتعليقه في صدر الغرفة/ واقتنعت أن القناعة حجة الخاسرين/ في لحظات الفراغ الكثيرة أملأ جيوبي بالخرائط/ غدًا سأقطع البحر الأبيض/ من هذه النقطة إلى ذلك الخط المتعرج

أسماؤنا غزلت بالخوف
لو أنني لم أسمَّ/ لكان لي متسع من الخيال لارتكاب الخطايا/ في عقلي/ في جسدي/ في عينيك/ أسماؤنا قيود رقيقة/ لولا ذلك الاسم الملتصق بوجهي/ وصوتي/ والخطوط المموجة بإبهامي والتي تميزني عن باقي التعساء/ لسلخت من سواد الليل نجمة

أفضّل الموت في زاوية عمياء
في صغري سمعتها كثيرًا/ راح ورا الشمس.. أي اختفى للأبد/ لم أجده هناك لعله مازال حيًا/ هو الوطن/ حيث ولدت وحيث أموت وحيث أبعث من جديد/ لأروي جبيني المتجعد من شمسه اللاذعة/ وأسقي الصفصافة الشهيدة من ذكرياتنا/ لعلها تبعث للحياة لتبقى ناطورًا على الذكريات

جثث أضناها الحلم
في بيتنا الهزيل/ على سفح قمة البؤس/ حيث لا يصل أحد/ إلا البوم/ وفي منتصف اللّيل/ ليدفن عينيه القادحتين/ في صدور جثث أضناها الحلم/ ويدخن الخمس سجائر التي تركتها للصباح/ هو الزائر الوحيد منذ سنتين/ حيث لا يصل أحد

متبرجة كشجرة الميلاد
أحيانًا تتلعثم بكلمة "أحبّك"/ وأكاد أجزم أن آخر الهرمونات الأنثوية المتبقية في حنجرتها المتقرحة هي من نطقت/ تلفظ في وجهي ضجيج سجائرها/ وتنتفض مجددًا رئتيها/ لتعبر عن مدى الحزن المختزل داخلها/تشتم كالرجال تكفر وتتمرد