1. ثقافة
  2. نصوص

امرأةٌ تُطعمُ الكيكْ للبطِّ

7 مايو 2017
(Getty) طيور الفلامنكو في تونس
سفيان رجبسفيان رجب

في مَقْهَى البِلْفْديرْ، ثَمَّةَ امرَأةٌ سَمْراءُ بِمِعْطَفٍ أَخْضَر، تَتَفَقَّدُ قِطَعَ الكيْك في سَلَّتِها، وتَتَرقَّبُكَ صامِتَةً. 
لا تَذْهَبْ إلَيْها الآن، اتْرُكْها تَخْلُطُ اليَأْسَ بالأَمَلِ في فِنْجانِها، وتَتَرَشَّفُ انْتِظَارِكَ.

لا تَذْهَبْ إلَيْها، قَبْلَ أَنْ تَتَأَكَّدَ هِيَ أَنَّكَ رَجُلٌ لَهُ مَذاقُ اليَأسِ.

اتْرُكْها تَنْظُرُ إلى صُنْدوقٍ صَغيرٍ في مِعْصَمِها، تَتَفَقَّدُ عَقارِبَ أَيَّامِها التي تَتَناسَلُ هُناكَ ثُمَّ تُضيفُ قَطَرَاتِ سُمٍّ إلى مِزاجِها، وتُقْسِمُ أَنْ تَلْدَغَ أَوَّلَ رَجُلٍ يَأْتيهَا الآن، إنْ كُنْتَ حَاوِيًا، فاذْهَبْ إلَيْها الآن، لَكِنَّكَ مَعَ الأسَف أَنْتَ ضِفْدَعٌ سَعيدٌ بِنَقيقِهِ تَحْتَ الرَّذاذِ، أَنْصَحُكَ أَنْ تُؤَجِّلَ ذَهابَكَ إلَيْها قَليلًا.

اتْرُكْها تَتَرَشَّفُ آخِرَ قَطْرَةٍ مِن انْتِظَارِكَ، ثُمَّ تَشْتُم كُلَّ رِجَالِ العالَمِ بِما فِيهِمْ ''نابليون بونابارت'' و''علي ولد أمِّك تْراكي".

هِي الآنَ، لا تَنْتَظِرُ رَجُلًا لِتُطْعِمَهُ قَلْبَها.
هي الآنَ، تَنْتَظِرُ رَجُلًا لِتَأْكُلَ قَلْبَه.
هي الآن، ذِئْبَةٌ في مِعْطَفٍ أَخْضَر.
إنْ كُنْتَ ذِئْبًا فاذهَبْ إليها الآن، لَكِنَّكَ مَعَ الأَسَف أنْتَ خَروفٌ بِشَهادَةِ الأزْهارِ التي تَقْضِمُها والثُّغَاءِ المُرْتَعِشِ الذي يَخْرُجُ من روحِكَ الآن.

اتْرُكْها تَضَعُ ساقًا فَوْقَ ساقٍ، بِحَرَكَةٍ تُشْبِهُ قَضْمَة مِقَصٍّ
آهٍ كَمْ مِن الأعْناقِ الطَّويلَةِ التي جُزَّت بَيْنَ حَرَكَةِ الفَتْحِ وحَرَكَةِ الضَّم، وعادَ أَصْحابُها إلى صَاحِباتِهِمْ بِلا رُؤوسٍ.
 
إنْ كُنْتَ بُسْتانِيًّا فاذْهَبْ إلَيْها الآن، لَكِنَّكَ معَ الأسَف أَنْتَ شَجَرَةٌ فَوْضَوِيَّةٌ لَمْ تَعْرِف التَّقليمَ مُنْذُ طُفولَتِها.

اتركها تَتَلَفَّتُ إلى البِرْكَةِ وتَنْساك.
الشَّمْسُ لَمْ تَكُنْ غائِبةً إذَنْ، والأزْهارُ التي تَتَسَلَّقُ السِّياج لَمْ تَكُنْ غائِبةً هي الأُخْرى، والبَطُّ كان سَعيدًا، ويُغَنِّي: كيك.. كيك.. 
ثَمَّةَ مَنْ كَانَ يُناديها إذنْ.
أَخيرًا، ضَحِكَت المَرْأةُ ذَاتُ المِعْطَفِ الأخْضَرِ، وهي تَنْثُرُ قِطَعَ الكيك لِلبَطّ

كانت تُفَتِّتُ الوَقْتَ بأَمَلِهِ ويَأْسِهِ، وتَنْثُرُه في الماء، وكان البَطُّ يُدَغْدِغُ البِرْكَةَ، ويَرْتَسِمُ الضَّحِكُ على شَكْلِ دَوائِر.

إن كُنْتَ بَطَّةً فاذْهَبْ إليها الآن، لَكِنَّكَ مَعَ الأَسَف، أَنْتَ غُرابٌ يُطعِمُ جُبْنَه لِثَعالِب الوَقْت.

اتْرُكْها إذن، دونَكَ تُدلي ساقيْها في البِرْكة ضاحِكَة، وتُطْعِمُ الكايك للبَطّ.
ولا تَأْسَفْ، لا تَأْسَفْ. يَكْفِي أنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَكُنْ غائِبَةً هذا اليوم، وأنَّ البَطَّ كان سَعيدًا، يُدَغْدِغُ البِرْكَةَ، ويَلْتَقِطُ فُتاتَ الكايك مِن أَصابِعِ امْرَأَةٍ تَضْحَك.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رعشة جناح فراشة

للابتسامة وجوهٌ أخرى

كلمات مفتاحية

غوزانا.. ماذا بعد البحر؟

تبدل الحشد / والطوائف/ والآلهة جميعها: طرقوا بابك المحصن بالعيون النحاسية/ والتمائم والبخور/ لم تفتح لهم

زمن بلا أخ ولا ظل

اختلطت الأيام، تشظّت الذاكرة. لم أعد أميّز بين الحلم والحدث، بين الأخبار والذكريات، بين الغائبين والشهداء

السرك البشري

دخل كأنما إلى سيرك، يتقافز على إيقاع السخرية، يصطنع الضحك ليُضحك الناس، يلهث خلف الإعجاب السريع

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة