باب وجدران أربعة
21 أغسطس 2016
ماناش باتاشارجي شاعر وكاتب ومترجم وباحث في العلوم السياسيّة من دلهي. أصدر مجموعته الشعرية الأولى عام 2013 بعنوان "قبر غالب"، ولم يترجم له إلى العربية سوى بضع قصائد ومقالات متفرّقة.
مأوى عزلتي الأوّل
غرفة صغيرة يكدّر الطرق
اليوميّ على بابها
أحلام اليقظة والكوابيس
ومع هذا كثيرًا ما انتظرت دقّات
تظهر مع هدايا
أكبر من الوحدة
يملأ الشعراء الرفوف
أسرع من ملء الدولاب بالملابس
عارٍ أنا بالانتظار
أرتدي أربعة جدران تكيفت معها
أنساني أصدقائي غير مرّة
أنني كنت الوجه الوحيد للمرآة
نسيت نفسي بين كتّاب استولوا على حياتي
أتوشّح ما عندهم من أشكال الهوس
حياتي البديلة تملأ منافض السجائر
أن تكون وحدك يعني أن تكون حيث
لا يمكن لأحد زيارتك
حيث لم يرك أحد من قبل ولم يسمعك
أن تكون وحدك يعني أن تبدع ذاتك
كطفل عنيد
أيقظتني في إحدى الليالي
عفاريت غير مرئية بقصص شبه مألوفة
لا أدري من أين أتوا
كانوا يختفون كلما طرق طارق
ليظهروا تارة أخرى وأنا وحدي
كانت الليالي ملء غرف من الأشباح وأضواء النهار
أصعب من أن تمنحني حوارًا
لم أعترض يومًا على وحدتي
لذا لم أكتب يومًا على الجدران
واجهت كل الأشياء بعينيّ
وكنت أتبرّم بجميع اللافتات
التي تطالب بحريّة شخص أو حقّه
نسلب معاناة الآخرين لنمارس السياسة
نرتدي معاناتنا أقنعةً
واللافتات أكاذيب مزدوجة
تحدثت النساء معي كأنّي صبيّ
صغير ضائع داخل أستاذ جامعيّ
لكنّ الشعراء ما قالوا يومًا
إني بحاجة إلى أن أكون رجلًا
جدران غرفتي الأربعة قد بنيت
حجرًا حجرًا أيام نما شعري الطويل
حجرًا حجرًا
يرفع الآخرون لنا جدراننا ونحن
نصنع خلواتنا داخلها
التقيت امرأة تتكلم لغةَ
قطوف العنب وجعلتني أحلم
بالكروم
ضحكت وتمددت على قارب
تحوّلت الغرفة شيئًا فشيئًا إلى نهر
قفزت إلى قارب آخر
تحوّلت المياه إلى رمال
وصرت أخشى قطوف العنب
عادت القطوف متنكّرة في الخمر
آخذ بأسباب العالم
وألفّق أسبابي بفرط الشراب
العفاريت المشدوهة تطاردني
بقصص مجنونة
تخففت من العالم وشرعت باللعب
في صحبة الظلال
قست حياتي أنا أيضًا
لكن ليس بصلابة ملاعق القهوة
كانت الحياة فجوة زلقة من بين أصابع
تحمل سيجارة
لم تستطع أمّي تحديد الخطأ الذي كان
أنا لم أستطع تحديد الصواب
أبي لم يكن يدري ما يحدث
أو قد كان على وشك الموت
عدت إلى كتبٍ شخوصها كانت
تلقي حجارة دامسة على العالم أو
على أنفسها
وجدت ولع همبرت بلوليتا
قصة جذور لا يمكن مقاومتها
اختبأ العالم تحت حذاء نابوكوف
كي يلقي باللوم على لون قلبه
كنت أمر بجانب صبايا صغيرات دون إنكار
ظلت غرفتي تزداد ظلمة على ظلمتها
ليس للظمة عقل ولا مرايا
ليس لها سوى أحلام ومخاوف عارية
لا تكترث الظلمة بالضياع
لأنها أصلًا ضائعة
ولج أحدهم دون أن يطرق
أعطيتها دخانًا هي تريد يدًا
أعطتني حكايات أنا أريد عريًا
كانت تجري من القلب
كنت أريد راحة أكثر من النهدين
لا نصل إلى أي مكان
وحال العالم بيننا
لاحقتها والفاشيون ينتصرون
وأبي في غمرات الموت
أدركت أنّ الفاشية والموت
يلهمان الحب
بدأت الجدران تضطرب
حين تعشق تحوزك رغبة
في تدمير الجدران حولك
ولكن أنّى يكون ذلك ويداك مقيدتان
كانت يداي مقيدتين بوجهها
بهزائم غير معروفة
بمضادات حيويّة تخرس العيون اليقظة
الأصدقاء يشربون من نفس الشراب
أما شرابي أنا فقد كان مرًّا
كنت أرغب في تدمير كتبي
لقد استهلكتني أكثر من الجدران
كنت أحسب أنّ الجدران جسور
إلى العالم
فماذا لو انهارت عليّ؟
أردت نسيان كلّ ما تعلّمت
أردت أن أنسى أنّني تعلّمت أيّ شيء
أردت أن أعرّي نفسي
كالجدران الجرداء من حولي
من بئر المرآة المظلمة لمحت
العفاريت تنسلّ في إحدى الليالي
هل خبّأتهم أنا هناك؟
لم يكن من وقت لهكذا أسئلة
بأيدٍ مقيّدة وجه قاتم وفمٍ
كحوليّ رحت أتعرّى وأصرخ
كي تنتهي الفاشيّة معاناة أبي
وللحبّ أيضًا
الصرخات تسمع أحيانًا بخلاف الصلوات
الفاشيّة هزمت والأب قد مات
الحبّ وصل بألم
يتبع الموت في طريقه
إلى أين ذهبت؟ ما الذي جعلك تعود؟
هل دلّك أحد على الطريق؟ أمّ أنّك هنا
مجرّد صدفة؟
في الحبّ لا تسأل عن إجابات
تجيب عمّا ليس بأسئلة
في الحبّ لا تدري
إن كنت تسأل أم تجيب
وأنا أملأ هذه الصفحات مرآتي وكتبي
تنام وفي خفّة تتنفّس
الأشياء التي تحمل حياتك بمعيّة حملها
تكون مخادعة حين تكون وحيدًا
الوحدة تحوّل ثقل الأشياء
تجعلها تحكي بخطورة
كل شيء يكون أخفّ عند مقدم المحبوب
تأتي وتذهب بخطوات صغيرة
ووجه لا ينتهي يضع كل
شيء حيث تجده وتعرف أنّها هناك
غرفتي وجدت زوايا جديدة وحياتي
اضطرابات جديدة
عثرت على وجهي القديم في لبكة جديدة
هذه القصيدة ضمن جدران أربعة أخيرًا
تحرّرت من أساليبها في الضياع
لا ضروب الموت ولا الهزائم لها أن تمنع
لحظة الوصول
باب غرفتي مشرّع الآن على مصراعيه.
اقرأ/ي أيضًا: